«الطقطقة» في ثنائية الرجل والمرأة

الاثنين - 05 فبراير 2018

Mon - 05 Feb 2018

لم يدر بخلد أحد أنه سيأتي اليوم الذي يجد فيه فتاة تستفزه بصورة شاب مثله - مثله بكل شيء - إلا بالوسامة، ولم يكن لأحدنا أن يستوعب أساسا أن المرأة تشاطرنا معشر الرجال ذات الميل والانحياز للجمال الذي يليق وصفه للرجل بالوسامة.

جاء هذا اليوم، وأضحى الاستفزاز علنا في كل مواقع التواصل وكمتابع (أنت وضميرك) فلك أن تضعه - أي هذا الاستفزاز - تحت أي بند تريد، وتفسره كيفما تشاء فليس ثمة من سيعبأ بحديثك ولا بغيرتك ولا بأي شيء مما يجوب في خاطرك «التقليدي»، لا لشيء ولكن لأن دولاب الجيل الجديد ماض إلى حيث مضت دواليب الأجيال التي سبقته، وليس على أي منا أن يحيا كل الأجيال ويفرض عليها ما يريد وما يعتقد.

في البدء كان الأمر عبارة عن مزاح عام بين الرجال، وكانوا يتداولون نكتا (ذبات) عن بعض عيوب الفتيات ليتوصلوا في آخر الأمر لمسمى (ذوات الركب السمراء)، وكان الأمر غاية في السلطوية الذكورية، لأن فتاة واحدة لا تجرؤ على الذود عن قريناتها؛ لأنها لم تجد الوسيلة المناسبة التي لها أن توصل رسالتها من خلالها دون أن يعرفها أحد، حتى هطلت علينا وسائل التواصل الاجتماعي كـ«القضا المستعجل» كما يقول إخواننا المصريون، وأحدثت ما لم يكن في الحسبان، ووجد الطرف الآخر (الفتيات) من هذا الصراع فرصته في الانتقام، وبالفعل أقمن الدنيا ولم يقعدنها وهبن (هبة امرأة واحدة) وانتصرن لكرامتهن بإغاظة الرجال بعد أن عرفوا مكامن الوجع التي لها أن تحدث في نفوسهم الألم الذي له أن يشفي غليل الفتيات اللواتي قضين عمرا طويلا وهن يوصفن (بذوات الركب السمراء)، وبالفعل نجحن في ذلك، بل وتجاوز الأمر بهن بأن أعدن للرجال سهام المسميات التي أسمونهم بها واختلقن أسماء للرجال جديدة كـ(الأشهب) و(الإسباني) حتى تحولت إلى ثيمات لا يعرف بها إلا هذا الرجل.

كتبت قديما عن ثنائية المرأة والرجل والقدح الصامت بينهما، وقلت بأن لدي إيمانا مطلقا بأن كلا من طرفي هذه الثنائية إنما هو في الأساس كائن بشري سوي وصالح، إلا أن قدره زرعه في بيئة استطاعت أن تخلق بينهما كل هذه الشراسة، لدرجة أن المرأة أضحت لا ترى في ذلك الرجل إلا شبحا لا بد من صده، وهو -أي الرجل- لا يرى في تلك الأنثى إلا كائنا لذيذا لا بد من الوصول إليه مهما كلف الثمن.

وباعتقادي أن النظرة تغيرت بعض الشيء ولست هنا - في واقع الأمر - لأحدد ما إذا كانت النظرة قد تغيرت أم لا وذلك لأنني لا أملك الدراسة الكافية لأتصدى لمثل ذلك، بقدر ما أنا مندهش من قوة وسطوة الوسائط التي غيرت شكل حياتنا وتجاوزت كل توقعاتنا، وكشفت لنا عن بساطة الأشياء التي قضينا فيها عمرا طويلا ونحن نتعامل معها كما لو أنها «تابوهات» لنكتشف في نهاية الأمر أن المسألة كانت محض رعب فرضته علينا النظرة العتيقة لهذه الثنائية التي (كنا) نسمع أنها كانت غاية في السلم والحميمية فيما قبل الصحوة.

ختاما، وحتى لا نحمل الأمور فوق طاقتها فإنني أود الإشارة إلى أن هذا المقال عبارة عن قراءة موجزة وسرد مبسط لسيرة ثنائية المرأة والرجل في بلادي، ويحق لكل قارئ أن يحمله على المحمل الذي يريد، بينما أنا سأحمله على محمل (حسن النية) التي أجزم أن الخصماء (الشباب والفتيات) يتعاملون بها ويدرجونها تحت بند (الطقطقة).