مرزوق تنباك

بين لعبة الأمم والنار والغضب

الثلاثاء - 16 يناير 2018

Tue - 16 Jan 2018

لن أقرأ كتاب المستر مايكل وولف عن سيده ترمب لأنه يذكرني بكتب كثيرة مثله، كان أسبقها في ذاكرتي كتاب مواطنه مايلز كوبلاند Miles Copeland الذي ألفه قبل نصف قرن (لعبة الأمم ) ونشره في لندن عام 1969 بعد الهزيمة الساحقة للعرب أمام دولة العدوان الإسرائيلية، ووقوف الغرب كله وأمريكا خاصة مع إسرائيل. والمؤلف مايلز دبلوماسي عاش في الشرق الأوسط، وعرف الثقافة العربية وما كانت تموج به تلك الفترة من حروب كلامية ومهاترات عنترية بين زعماء العرب، وقرأ الأحداث بنظر الغربي المتعصب، غاص المؤلف في العمق العربي فجاء كتابه يفضح الواقع السياسي ويكشف الوجوه الظاهرة والخفية للسياسة الدولية وتلاعب الأقوياء في الغرب بالزعماء الضعفاء في المشرق. حاول كوبلاند أن يجرم الزعماء العرب وأن يلبي غضب الشارع العربي وإحساسه العميق بالهزيمة الكاسحة التي يسميها الإعلام العربي نكسة، كان المؤلف ذكيا فيما فيه الكفاية فلعب على عواطف الشعوب المهزومة، وكأن كتابه يفسر لهم ما عجزوا عن تفسيره، وجعل من نفسه الخصم والحكم، وملأ كتابه بالقصص والدسائس والمؤامرات التي يزعم أن قادة العرب أو بعضهم على الأقل متورط فيها، خفف ما جاء في الكتاب غموض الهزيمة، وزاد الحقد على قادة تلك المرحلة، اختار للكتاب أن يصدر من لندن القريبة من العرب والأحداث، ويقال إن الطبعة الأولى نفدت في ثلاثة أيام. قدم المستر كوبلاند حكايات مريحة للعرب يفسر لماذا حلت بهم النكبة الساحقة، ويكشف ما خفي من الأحداث، ويجعل نفسه وكتابه الشاهد والقاضي فيما يقول، طار العرب بالكتاب ولم يبق مثقف عربي لم يقرأ «لعبة الأمم» ويضرب بكف على أخرى ويقول خدعنا من زعمائنا قبل خديعتنا من عدونا، لعب المستر كوبلاند بالعقول كما يلعب اليوم المستر مايكل وولف مع اختلاف بسيط بين الماضي الذي استغله كوبلاند والحاضر الذي يكتب له المستر مايكل وولف. في فترة كوبلاند كان الزعماء العرب مهزومين حقيقة، ولكنهم يقودون شعوبا ثائرة تحس بغيظ وغضب لما أصابهم في نكبة 67 ويجمعون على البحث عن طريق يخرجهم من آثار الهزيمة مهما كان الثمن الذي ستدفعه تلك الشعوب، وكانت القابلية لما قال المستر كوبلاند عالية لدى الجميع رغم أنها أقوال من طرف واحد إلا أن الأحوال تصدقها.

نعود لكتاب السيد مايكل وولف الجديد الذي طار به القراء الغربيون وطرنا به معهم، والكتاب يقرأ من عنوانه رغم أنني لم أقرأه، وإنما قرأت ما هبت به وسائل التواصل الاجتماعي من ملخصات ومقتطفات قليلة ومنها يتضح أن الكاتب يتحدث عن سيد البيت الأبيض وعن سياسته الداخلية والخارجية وما يخص الشرق الأوسط منها.

وما يهمنا من سياسة أمريكا أو قل تصرفات الرئيس ترمب لا تحتاج أن تقرأ في كتاب فقد أعلنها وكرر إعلانها حتى قبل أن ينتخب، والسيد وولف يبيع كلاما - مثل سلفه كوبلاند - وأقوالا وقصصا قد تحظى بمصداقية كبيرة، ولكن أثرها سيكون مثل ادعاءات كتاب لعبة الأمم استغلالا للظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة العربية، وهي أسوأ بكثير من الأجواء في أعقاب هزيمة 67، في ذلك العهد كان هناك دول متماسكة وإجماع على قضية وروح للمقاومة وتماسك للشعوب وحكوماتها، أما أجواء اليوم فلم يعد هناك اتفاق على شيء، ولم يبق ارتباط ولا إجماع، ذابت بعض الدول وانحلت الشعوب وتفككت الروابط وضعف الاهتمام بما تجتمع عليه الكلمة. لن يكون لكتاب مايكل أثر غير ما كان لسابقه أحاديث لا يشهد عليها غير صاحبها، ولا يحدثنا بغير ما نعرف عن أحوالنا، فليقل ما شاء وليكن مصيبا أو مخطئا فيما يقول، فإن ما نراه ونسمعه ونعرفه عن أحوالنا أهم وأصدق مما قال الكتاب وصاحبه.

Mtenback@