اليمن وإيران والقرار الأمريكي المنتظر

الاحد - 31 ديسمبر 2017

Sun - 31 Dec 2017

سبق أن حذر مسؤول في الاستخبارات الأمريكية من أن إيران قد اقتربت كثيرا من إكمال هلال شيعي يمثل نفوذها في المنطقة، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي معها صيف عام 2015.

ولكن، هذا المسؤول في تحذيره، لم يأت بجديد، بل لم يكن دقيقا في معلوماته، فقد تجاوز النفوذ الإيراني جغرافية الهلال الشيعي ليمتد أكثر ويتوسع من مزار شريف في أفغانستان، مرورا بطاجكستان في منطقة آسيا الوسطى، إلى لبنان وسوريا والعراق وحتى اليمن!

والسؤال المطروح في هذه المرحلة عن مدى جدية الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء تهديدات إيران وتعدياتها في المنطقة!

صحيح أن إدارة الرئيس ترمب نجحت في إعادة الدفء والثقة إلى العلاقة بين واشنطن وحلفائها في المنطقة، بعد مرحلة من عدم اليقين في حقبة أوباما، وهذا تطور إيجابي في الاستراتيجية الأمريكية الراهنة.

ولكن الأصح أن إدارة الرئيس ترمب، ورغم اعترافها بمخاطر المشروع الإيراني في المنطقة، وبرغم تبنيها لفهم أمريكي مختلف عن الإدارة السابقة بشأن هذا الملف، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في إدارته بصورة مقنعة وفاعلة. أكثر من ذلك أسهمت بدون قصد في إعادة الزخم للمشروع الإيراني بالمنطقة، عبر قرار الرئيس ترمب غير الموفق في نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، إذ تم استغلال هذا القرار بإعادة مفاعيل المتاجرة بالقضية الفلسطينية بتحالف أوسع من أشرار المنطقة عبر العباءة الإيرانية.

ومن المؤسف جدا أن هذا القرار الأمريكي قد خدم مباشرة إيران وحلفاءها ومشروعها في المنطقة، ما يعني ذلك بالضرورة أن الولايات المتحدة بسياساتها الإقليمية أسهمت وما تزال في توسيع وتعميق دائرة النفوذ الإيراني في المنطقة.

من المؤكد أن تحجيم النفوذ الإيراني ليس بالأمر الهين، فقد نجحت إيران في حقبة إدارة أوباما وقبلها في زرع المنطقة العربية بمئات من الميليشيات الطائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي اليوم وبالوكالة عن إيران تمارس جرائم القتل والإرهاب، وحتى التغيير الديموغرافي لمصلحة إيران. فحزب الله اللبناني على سبيل المثال لديه قوة صاروخية ضاربة، وفرت له ليس فقط الهيمنة على القرار السيادي اللبناني وإنما تهديد أمن دول المنطقة عبر تدخله في سوريا واليمن.

لذا وكما يقول المتابعون للشأن الإيراني فإن الأولوية المفترضة للاستراتيجية الأمريكية لاحتواء وتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، إن كانت هناك بالفعل استراتيجية، ينبغي أن تبدأ بمواجهة أذرعها وميليشياتها، فهي بمثابة الرئة التي يتنفس منها المشروع الإيراني، والقضاء عليها أو إضعافها سيؤدي في نهاية الأمر إلى إضعاف هذا المشروع وإجبار إيران على إعادة حساباتها ورسم سياساتها من جديد، وفق قواعد الشرعية الدولية وعلاقات حسن الجوار.

قد يكون الأمر معقد جدا، بما يخص أذرع إيران في سوريا، إذ يحتاج الأمر إلى تفاهمات، وربما صفقات مع روسيا، وكذا للقضايا الأخرى العالقة والساخنة بين روسيا من جهة وواشنطن والناتو من جهة أخرى.

وأما في العراق، فالوضع أكثر تعقيدا، فإيران تمسك اليوم بكل مفاصل الدولة العراقية، والحشد الشعبي العراقي المهيمن على القرار السياسي والأمني والعسكري ولاؤه وتمويله من إيران وحرسها الثوري، ويحتاج الأمر إلى إرادة دولية وإقليمية وعربية لإعادة العراق إلى محيطه العربي، وهذه الإرادة غير متوفرة اليوم.

إذن الخيار في هذه المرحلة ربما الأقل تعقيدا والأكثر واقعية في البدء بجماعة أنصار الله، أو الحوثيين في اليمن، كخطوة أولى لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة. يعزز من هذا الخيار أن إدارة الرئيس ترمب وعلى عكس الإدارة السابقة تدرك تأثيرات الحرب في اليمن على سلامة طرق التجارة العالمية المارة عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، ومخاطر استهداف الحوثيين للمعابر المائية الدولية، وفي إفادته أمام مجلس الشيوخ الأمريكي أواخر شهر مارس الماضي، اتهم الجنرال جوزف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية، بكل صراحة الحوثيين بنشر صواريخ ومنظومة رادارات وألغام وقوارب مفخخة في الساحل الغربي لليمن، وبدعم من إيران، ما يشي بتهديدها للتجارة والسفن والعمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة.

في هذه المرحلة يحتاج التحالف العربي إلى مواقف أمريكية حازمة، لجهة استثمار الثقل الأمريكي كأكبر قوة عالمية، في فرض الحل السياسي في اليمن، وتحميل الطرف المعرقل تبعات ذلك، وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2216 المبني على الفصل السابع، ولعل الأمر يكون أكثر جدية باستضافة واشنطن لجولة مفاوضات جديدة بين كل المكونات اليمنية الرئيسة، وممارسة كل أنواع الضغوطات الممكنة لحمل أطراف النزاع على إنهاء جرائم تدمير اليمن، واستهداف الإنسان اليمني.

لم يعد بالإمكان أن تستمر الإدارة الأمريكية في إدارة أزمة اليمن، واستنزاف كل أطراف الصراع المؤسف في هذا البلد العربي البائس، بل المطلوب منها التدخل الإيجابي لحمل كل أطراف الصراع إلى جولة مفاوضات جديدة، وهي القوة الوحيدة القادرة على ذلك.