مرزوق تنباك

أزمة العرب أصبحت ولودا

الثلاثاء - 19 ديسمبر 2017

Tue - 19 Dec 2017

«اشتدي أزمة تنفرجي» هذا حال العرب في زمنهم الحالي، كلما خرجوا من أزمة أو حاولوا الخروج منها اشتدت أزماتهم، ولا أمل في الانفراج رغم ترديدهم للمثل وتفاؤلهم به، والظاهر أن أزمات العرب في الوقت الحاضر لا يسهل انفراجها، وأنها أصبحت ولودا، فما يغادرون أزمة حتى يدخلوا في أزمة تتلوها أزمات أشرس وأشد. فما كادوا يخرجون من أزمة مجموعات داعش وغلو تلك المجموعات المتطرفة التي خرجت بين ظهرانيهم، وأساءت بما ارتكبت من قبيح الأعمال وفظائع الأحداث، حتى أجمع الناس على حربها والخلاص منها، وهو خلاص دفع ثمنه العالم الإسلامي والعربي خاصة، حيث شوهت أعمالها ثوابت الإسلام، وجنت جناية لا تنسى على قيمه الخالدة، ونال المسلمين منها أكثر مما نال غيرهم من الأمم.

ومثل أزمة داعش كانت أزمة فتنة الشام التي طال حلها، واستغرقت وقتا طويلا، وكانت في كل الأحوال حربا مؤذية ليس لمن شارك فيها فقط، ولكن لكل الأطراف الذين كان من سوء حظهم أن امتدت إليهم، وانشغل بها القريب منها والبعيد عنها، وأكلت الأخضر واليابس. أما «أزمة الأزمات» فهي ما حدث من اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل والقضاء على بصيص الأمل أن يكون لفلسطين دولة عاصمتها القدس.

استمرار الأزمات وتوالدها في الوطن العربي مكنا أمريكا من أن تعلن مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، وهي النتيجة الطبيعية لما يمور فيه العالم العربي من حروب واختلاف وتفكك في بنية الدول، واختلال كبير في سياستها الخارجية والداخلية، وجدت أمريكا أن المناخ أصبح مناسبا للوفاء بوعدها لربيبتها إسرائيل الذي كانت تعلنه في كل مرة وتتريث في تنفيذه تحت الضغوط الدولية، ولكنها لم تلغه في أي وقت مضى، كانت تنتظر الفرصة السانحة لتطبيقه حين تكون الظروف ملائمة، وهذا ما حدث قبل أسبوعين تقريبا، حين تهيأت الظروف وجاء الوقت المناسب والفرصة السانحة لتعلن أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وأن تستغل انشغالنا بحروبنا المحلية وعداواتنا الشخصية وأزماتنا المفتعلة فتفي بوعدها غير آبهة بمطالب العرب واحتجاجهم.

والسؤال هل المطلوب أن نكون مجتمعا بلا أزمات ولا مشكلات ولا أخطاء؟ لا ليس ذلك هو المطلوب، المطلوب أن تكون الأزمات دافعا للبحث عن حلول لها وتجنب أسبابها والخروج منها بأقل الخسائر، وأن نعرف دوافعها ونعي خطورة تجاهل معالجتها حين نقع فيها، وأن يدرك المجتمع ما يمليه عليه حاضره وليس التجاهل والاستنكاف وتبرير الأعمال التي ترتكب في كل مرة، وفي كل مرة يبحث المجتمع عن مبررات بعيدة عن الواقع فيطمئن إليها ويرتاح لسماعها ويمني النفس بصحتها، عملية التبرير والهروب من مواجهة الحقائق هي التي قادتنا إلى مزيد من الأخطاء، وهي التي أغمضت أعيننا عن مخاطر المحيط الذي نعيش فيه.

كما أنه ليس من المطلوب أيضا أن نكون مجتمعا تمر حياته دون مشاكل، المشاكل قد تكون سببا إيجابيا إذا حركت بواعث التحدي والمواجهة الحقيقية لأسباب المشكلات ودوافعها، إذا أردنا أن نكون صريحين أكثر فنحن مجتمع لا يتعظ من التجارب، مجتمع يسمع آيات الثناء فيطرب لها، ومطولات المديح فيصدقها، ولا نعدم من يجود علينا بقصائد المديح، ومزيد من الإطراء والثناء.

حتى لا نقع في الكثير من الأزمات يجب أن نعرف الخلل أين كان وكيف حدث، وأن نعمل على إصلاحه قبل أن نتحدث عن مواقف الدول والمجتمعات الأخرى، وقبل أن نصدق ما يقال عنا أو نكذبه.

@Mtenback