تخريب الممتلكات.. الواقع والمأمول

الثلاثاء - 05 ديسمبر 2017

Tue - 05 Dec 2017

عندما يتحدث شخص بوزن مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وهو الرجل الذي أدار دفة وزارة التربية والتعليم فترة من الزمن، قائلا عند تدشين مشروع الواجهة البحرية لمدينة جدة: ماذا أنتم فاعلون في هذا المشروع؟ وهل ستحافظون عليه؟ أم سنسمع غدا بعد تخريبه من المسؤول؟». سندرك بعد نظر سموه وتعمقه في الواقع الحالي والذي يشير لمشكلة ثقافة وسلوك عند بعض فئات المجتمع. وقد أطلق سموه ملتقى مكة الثقافي الأخير بشعار كيف نكون قدوة، قائلا إن التنمية تبدأ ببناء الإنسان ثقافيا، وقال إن الحراك الثقافي يهدف لتحقيق ركائز التنمية وأهمها بناء الإنسان.

لقد مررت بموقفين منفصلين وحديثين جدا، كان أحدهما ما تم بمشروع الواجهة البحرية بمدينة جدة، والذي افتتح الأسبوع الماضي وكلف الدولة أمولا طائلة، وما حصل فيه من عبث بالمرافق، وسرقة لبعض الأدوات وتخريب لمكان هو ملك ومتنفس للجميع، وكان مثار سخط وغضب لكثيرين من مثقفين ومسؤولين وعامة المواطنين.

والحدث الثاني واجهته وأنا ألقي محاضرة بمنشأة طبية لأرى بأم عيني عبث الطلاب بكراسي المحاضرات عبثا غريبا، فقد دمروا قماشها وأيديها وطاولاتها، إضافة لعبثهم ببعض التجهيزات. والله إن قلبي ليعتصر ألما على هذه المنشأة التي تضم بين جنباتها أطباء المستقبل وبها أفضل الأجهزة والأثاث. ومن المعلوم أن مقعد الطالب الطبيب بالجامعات مكلف جدا للدولة، ودراسته تكلف من المليون فأكثر سنويا، ومعلوم أن هذا الطالب يعتبر الأعلى درجات بين أقرانه وقبوله يعد من أصعب القبولات نتيجة لعمليات المفاضلة، ناهيك عن أنه سوف يكون طبيب المستقبل المؤتمن الذي يعالج الناس، ويحافظ على صحتهم وأرواحهم، فالسؤال هو لماذا!؟

يعتبر سلوك العبث بالممتلكات وتخريبها من قبل قلة قليلة من المجتمع ظاهرة عالمية تتفاوت بين الدول وتختلف بينها تبعا للثقافات والقوانين، والمستوى الفكري والاقتصادي. وهي ظاهرة لم يتمكن من السيطرة عليها بشكل كامل وتام، بالرغم من فرض طرق مراقبة وعقوبات قاسية على مرتكبيها.

تختلف ظاهرة العبث والتخريب بين الكتابة والرسوم لتصل إلى النهب والتكسير للأدوات والممتلكات والمرافق، فضلا عن تشويه المنظر العام وإظهار الوضع بشكل غير حضاري أبدا.

بالطبع هناك آثار اقتصادية سلبية بصفة عامة على مستوى الوطن، وذلك بإصلاح ما خرب وهذا ليس بالشيء السهل لأنه يكلف وقتا ومبالغ طائلة، وفيه من الهدر الشيء الكثير.

ظاهرة التخريب تمتد على طول مراحل التعليم لتصل حتى إلى الجامعات، وتكثر بالمرحلتين المتوسطة والثانوية، وبالذات عند الذكور، حيث تلعب التغييرات البيولوجية والنفسية والعقلية بسن المراهقة دورا مهما في تطور الحالة في ظل غياب إشراف وتوجيه ومتابعة من الأسرة والمدرسة والمجتمع.

الأسباب متعددة، فبعض المراهقين يعدونها ضربا من التسلية واللعب أو من البطولة فيقلدهم آخرون، أو عائدة لكره المدرسة أو التعليم والمعلم نتيجة لسوء تعامل أو حقد لأمر ما أو موقف، فتتولد عملية الانتقام الذي يبدأ بتفريغ شحنات الغضب بالمكان والمحيط العام. وهناك حالات خاصة غريزية والكره والحقد، ممتدة من الصغر نتيجة للتفكك الأسري والتربية الخاطئة.

ولله الحمد والمنة نحن ببلد عظيم يعتمد على شرع الله وسنة رسوله كنبراس ومنهج وتطبيق، ونمتلك من الأصالة والنخوة والعادات الحميدة الكثير. يأتي دور البيت والمدرسة كركن أساس في التقليل من هذه الظاهرة المقيتة، والمفترض أن يلعبا دورا مؤثرا في تعميق الولاء والانتماء للوطن وممتلكاته، فيجب غرس قيمة أن الشخص يمتلك هذه الأشياء وهي ملك مشترك بين الجميع. ولا نغفل دور المنابر وخطباء المساجد وأيضا الإعلام بجميع أشكاله لبث التوعية بهذا الأمر.

لا يخفى عن الجميع محدودية الوسائل الترفيهية للشباب والأماكن التي يمكن أن يرتادوها، لذا يأتي من ضمن الحلول توفير متنفس للشباب ذوي الطاقات الكبيرة ليفرغوا شحناتهم بشكل إيجابي، وذلك بتوفير أماكن كبيرة وعامة بمواقع جذابة مخصصة للهوايات المختلفة، كالرسم وسباق السيارات والألعاب المختلفة وتشجيعهم على ارتيادها مجانا أو حتى ولو بأسعار رمزية.

أخيرا تأتي أهمية الرقابة المفروضة على بعض الممتلكات سواء بشكل مباشر عن طريق مراقبين أو كاميرات، والتوسع والتنوع بوضع قوانين معاصرة وفعالة، ومن ثم تكون هناك عقوبات رادعة كآخر الحلول، مع مراعاة أن تكون العقوبات لتقويم السلوك بأن يكلف المذنب بتنظيف وترتيب الأماكن التي خربها، وغيرها من الأماكن على سبيل المثال.

ختاما، أتمنى أن تختفي هذه الظاهرة وأن تقل بأكبر درجة ممكنة، خاصة ونحن نملك جميع المقومات من قيادة داعمة وواعية إلى تعليم راق ومتطور وإمكانيات أخلاقية ومعنوية كبيرة.