عبدالله المزهر

هذا الذي أسميه الوطن!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 21 سبتمبر 2017

Thu - 21 Sep 2017

وأنا القادم من أقصى الجنوب، أتحدث مع صديقي القادم من أطراف شمال الخارطة عن الغد، وعن الأمل وعن الحياة، أقاسمه مخاوفي، ويقاسمني أحلامه ونؤمن سويا أن همنا واحد وحلمنا مشترك، وأن أبنائي وأبناءه ينتظرهم ذات المصير الذي نحلم أن يكون أكثر جمالا من الحاضر.

هذه المشتركات هي ما أسميها الوطن، وحين يمر ذكر الوطن أتخيل أحلاما متشابهة تمتد على الخارطة من الحد الشمالي إلى الجنوبي، ومن البحر الشرقي إلى البحر الغربي. وأتخيل جسدا واحدا يتألم شماله حين يمرض جنوبه، ويتألم قلبه حين تشتكي أطرافه.

الوطن أن يقدم شمالي روحه في الحد الجنوبي مبتسما، وأن يسهر جنوبي على أطراف الشمال مؤمنا بأن روحه هي أرخص ما قد يدفعه ثمنا لينعم أناس لا يعرفهم ولم يلتق بهم من قبل بحياة أجمل ومستقبل أكثر إشراقا.

الوطن أن يكون حلم بريدة هو حلم جازان، وفرحة حائل سعادة جدة. وأمل الدمام هو أمنية تبوك. وبهجة أبها ترسم الابتسامة على محيا حفر الباطن.

ما أسميه الوطنية هو أن نحب الشارع كما نحب منازلنا، أن نتألم لمنظر قبيح في مدينة في الوطن لم نزرها من قبل كما لو أنه في فناء منزلنا. أن نعتبر من يمد يده إلى جيب الوطن كمن يمد يده إلى جيوبنا. أن نبتهج لكل نجاح وأن نفرح لكل إنجاز، وأن نسمي الأشياء أيضا بأسمائها، فلا نزور نجاحا ولا نختلق إنجازا لم يحدث، وأن نكره أن نكذب على الوطن.

الوطن هو دعاء الأمهات وأمنيات الآباء، هو تكبيرات المآذن، صوت الجرس في المدرسة، تلبية الحجاج، هو عرق العامل، هو الأغنيات والمواويل، هو تمتمات الأطفال، وقصائد الغزل، ولهفات العشاق، وحنين المفارقين، هو صوت صافرة الحكم ينهي مباراة يفرح بنتيجتها الغني والفقير، والمريض والمعافى. الوطن هو الحلم الذي تحقق والأحلام التي تاهت في الطريق، هو الآلام والآمال، هو أحلام الشباب، وذكريات الكبار. الوطن هو الناس، الذين نحبهم والذين لا نحبهم، والذين نشتاق لهم والذين لا نعرفهم، والذين رحلوا والذين سيأتون يوما ما.

ثم أما بعد..

فالوطنية ليست إيمانا أعمى بأننا أفضل الأوطان، ولكنها الإيمان الصادق بأننا نستطيع أن نكون كذلك، والعمل المخلص والنزيه لنكون كذلك، والوطنية ليست شيلة ولا أغنية يقبض المغني والشاعر ثمنها قبل أن يسمعها الناس، والوطن ليس بطاقة نحبها بقدر الرصيد الذي تحمله، الوطن معنى أعظم من أن نكذب عليه، وأن ننافقه وأن ندعي حبه، الوطن أكبر من أي أحد، لأنه كل أحد.

@agrni