أحمد صالح حلبي

المطوفون عبر العصور

السبت - 26 أغسطس 2017

Sat - 26 Aug 2017

ونحن نعيش موسم الحج بأيامه الجميلة ولياليه الممتعة المليئة بالحيوية والنشاط والعمل المتواصل، نتوقف أمام جهود كبيرة وأعمال عظيمة يقدمها المطوفون أفرادا وجماعات، الأب برفقة ابنه، والأم مع ابنتها، الكل يعمل بلا كلل أو ملل، بل برغبة أكيدة لتقديم خدمة جليلة وعظيمة.

وكلما حل موسم الحج تذكرت أولئك السابقين من المطوفين الذين صنعوا الأمجاد وبنوا الصروح، تذكرت فيهم نقاء القلب وعفة اللسان، لا يبحثون عن مكتب أنيق أو مأكل نظيف، يعملون على الرصيف ويأكلون من الطعام ما توفر، إنهم بحق مطوفون أوفياء، تركوا آثارهم كما تركوا أعمالهم.

واليوم نرى أبناءهم وأحفادهم وهم يحملون اللواء ويتقدمون الصفوف في سبيل خدمة ضيوف الرحمن، موضحين تعريف المطوف بأنه «مرشد الحجاج إلى مناسك حجهم، وهو من يعمل على توفير الخدمات لهم منذ وصولهم إلى مكة المكرمة حتى مغادرتهم لها»، مؤكدين أن الطوافة مهنة متوارثة يقوم بها أشخاص معروفون بمكة المكرمة منذ مئات السنين، وهم بها يفخرون، بعد أن توارثوها جيلا بعد جيل، منذ أن تقدم القاضي إبراهيم بن ظهيرة عام 884 هــ لتطويف السلطان قايتباي أحد سلاطين الشراكسة.

وشهدت مهنة الطوافة تطورا متسارعا على مر العصور والأزمان، لكنها ظلت باقية في أبنائها لم تخرج منهم، وحينما دخل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- مكة المكرمة أصدر -رحمه الله- أمره بالإبقاء على الطوافة كمهنة منحصرة لأبناء مكة المكرمة،وجاء في المادة الرابعة من المرسوم الملكي المنشور بجريدة أم القرى بعددها الأول الصادر يوم الجمعة الموافق 15 جمادى الأولى 1343هــ تحت عنوان (هذا بلاغ) ليشكل الضامن لمهنة الطوافة واستمراريتها فقد نصت المادة الرابعة منه على ما يلي «كل من كان من العلماء في هذه الديار أو موظفي الحرم الشريف أو المطوفين ذو راتب معين فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزده فلا ننقصه شيئا إلا رجلا أقام الناس عليه الحجة أنه لا يصلح لما هو قائم عليه فذلك ممنوع مما كان له من قبل، وكذلك كل من كان له حق ثابت سابق في بيت مال المسلمين أعطيناه منه ولم ننقصه منه شيئا».

وجاءت الخطوة الأولى لتنظيم الطوافة وتعريف مهامها في العهد السعودي بصدور نظام إدارة الحج في العشرين من ربيع الأول عام 1345هـ الذي حدد مهام وواجبات المطوفين والزمازمة والمخرجين والمقومين ووكلاء المطوفين بجدة ونقباء جدة ووكلاء المدينة المنورة، إضافة إلى وظائف إدارة الصحة العامة وواجبات الحجاج.

وللوصول إلى المزيد من التنظيم والتطوير لخدمات الحجاج صدر المرسوم الملكي رقم 54/1/39 وتاريخ 23/2/1355هـ بتنظيم أعمال المطوفين وتحديد مهامهم ومسؤولياتهم.

وجاء المرسوم الملكي رقم 14518 وتاريخ 21/10/1365هـ بالموافقة على نظام وكلاء المطوفين ومشايخ الجاوا ليضيف اهتماما آخر لمهنة الطوافة في العهد السعودي ويدخلها مرحلة التطوير العملي والتنظيم الجيد للخدمات بعد أن تم إنشاء المديرية العامة للحج في نفس العام لتكون عملية خدمات الحجاج أكثر تنظيما، إذ تضمنت مهامها استقبال الحجاج وتيسير إجراءات إقامتهم وسكنهم وتنقلاتهم، وقامت بإنشاء مخيمات لاستراحة الحجاج في المدينة المنورة وجدة وقد بلغت ميزانيتها خلال ذلك العام (387570) ريالا، ولم يكن مثل هذا الأمر مألوفا لدى الحجاج من قبل.