شاهر النهاري

أطفالنا ونفش الريش

السبت - 18 مارس 2017

Sat - 18 Mar 2017

يؤكد مدربو طيور الببغاء على الكلام أن الترديد المكثف المستمر للكلمات هو أهم عوامل تنمية قدرة الطير على تقليد الكلام.



وذلك الفعل كفيل بأن يرسخ الكلمات في دماغه، حتى لا ينساها، ويفضلون أن تكون بداية التدريب باستخدام الكلمات السهلة من حرفين أو ثلاثة، قبل الانتقال لما هو أكثر وأعقد.



كما يشترطون أن تحتوي الكلمات على أحرف المد (ألف، واو، ياء)، ويجب أن يكون الصوت واضحا ومرتفعا عند النطق أمام الببغاء، ليتمكن من تمييز مخارج الحروف.



وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فكم يحزنني أننا نجد بين الحين والآخر طفلا في ريش الزغب يقف منتشيا في موقف عظيم، وأمام جمع من الناس، وهو يردد كلمات خطبة أو قصيدة عصماء كتبها أحد الكبار المتخفين، بعد أن وضعت في كلماتها وأبياتها آيات إعجاز على لسان هذا الطفل البريء، والذي يبدع في ترديدها، بشكل مدهش، يثير الإعجاب والفخر من الحضور، ويلهب الأيدي بالتصفيق، بمجرد مقارنة الأعين والأسماع والعقول بين حجم مقولته، وحجم جسده الصغير، ووجهه الطفولي المتقمص.



ثقافة انتهجتها مجتمعات كثيرة، كدلالة وتعبير على وجود العبقرية بين أطفالها.



ولو نظرنا للأمر عن كثب، لوجدنا أن الطفل غالبا لا يستمر في تلك العبقرية الزائفة، وربما يصبح هو ذاته يستنكر على نفسه تلك القدرة، والجرأة، والحفظ!

وهذا الطفل بلا شك يمتلك مواهب وقدرات أهلته لأن يحفظ بهذه الطريقة، وأن يجيد فيما يفعله، وأن يكون شجاعا بالوقوف أمام الجموع متقمصا لحال من كتب، ومن درب، ومن حث وشجع.



ولكنه في الوقت نفسه مغرر به، تم توجيه قدراته العقلية والنفسية لمكان خاطئ، فما معنى أن يردد الكلمات، التي قد لا يعي أكثر ما فيها، وما معنى أن تختزل إمكانياته المتعددة، ومواهبة الربانية لتكون فقط في الحفظ، كما طير الببغاء، يصدر أصواتا سمعها وهو لا يحيط بأغلب ملامحها.



لماذا لم تتم دراسة إمكانياته، وتطويرها، وتعليمه كيف يمكن أن يستخدمها بالطرق الطبيعية السليمة لطفل في مثل سنه؛ فحتى لو تكلم بما يشعر، وأخطأ فيما يفكر، فهذه خطوة أساسية تجعله يكون هو ذاته، ولا يكون صورة مقلدة عن غيره.



أي كلمة يقولها من مشاعره وحواسه وإدراكه تكون أقرب للنفس، وأكثر قدرة على بناء شخصيته المستقلة، وكيانه الأساسي، فيما يجيد، ويبدع.



ثقافة الحفظ والترديد تقتل عقل الطفل في صغره، ولا تسمح له بأن يكون كما أراد له الخالق، وكما يصفقون له حين يعجبهم ما يقول، يسهل عليهم إسكاته ولو بنظرة لوم من أعينهم، تكبح مشاعره، وأفكاره، ليعود يستجدي منهم أن يعيد ما حفظ، وبصوت جهوري.



ببغاء صغير، ينفشون ريشه بالمديح، حتى يكبر يوما، ويتلمس ظهره، وقمة رأسه، فلا يجد الريش، ولا يجد العرف!



منهجية التعليم للصغار عندنا ستظل ببغائية، إلى إشعار آخر، وحتى منهجية التعليم في المراحل الأعلى، وحتى الجامعة، لا تزال حفظا، وترديدا، ولا وجود للفهم مع إعادة التفكير والاستدلال.



مساكين هؤلاء الأطفال، من يفرح بهم أباؤهم، فيلتقطون لهم التسجيلات والمقاطع، التي تظهرهم في أقفاص محدودية الفكر، وانعدام الحرية في تكوين الذات، ومحدودية التبعية، والترديد بأصوات جميلة، لا تلبث أن تنشز.



[email protected]