الأيديولوجيا والغاية السياسية

الأربعاء - 01 فبراير 2017

Wed - 01 Feb 2017

ما زال العالم أمام أزمة تطرف شائكة، تقوم على «أيديولوجيا» الفكر الديني الذي ليس المقصود به الدين، وإنما المقصود تلك الأفكار البشرية الموجهة لتحقيق أهداف سياسية، حيث يكون الظاهر الأيديولوجي لتلك الأفكار شيئا، وباطنها شيء آخر.



ومهما يكن الأمر، فإن الحالة العامة توحي بأن المرحلة المقبلة هي ملاحقة المتطرفين في كل أنحاء العالم، في دور جديد تقوده أيضا الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن وفقا لتوجهات إدارتها الجديدة بقيادة الرئيس ترمب.



لن تنسى أمريكا والعالم حادثة 11 سبتمبر التي كشفت عن وجود تأييد الحادثة التي وصفت بأنها معركة كسر أنف للشموخ الأمريكي، ومؤشر على وجود رغبة لدى المجتمعات - الغارقة في الجهل والفقر والحرمان - في الإسهام بإسقاط الولايات المتحدة من خلال الفعل «الإسلامي» بالطريقة ذاتها التي أسقط بها الاتحاد السوفيتي.



ونظرا لوجود هذا الشعور في عمق المجتمعات الإسلامية نتيجة للنظرة المغالية للعلاقة بين الإسلام والكفر، فإن حالة التعاطف المشار إليها قد أفضت إلى وجود انخراط «أيديولوجي» لدى شباب المسلمين في المعركة ضد الولايات المتحدة ونفوذها ومصالحها وحلفائها في العالم.



ومعنى ذلك أن الإرهاب هو نتيجة للتطرف، والتطرف هو وليد «الأيديولوجيا» المقدمة دوما على أنها الدين الحق؛ بهدف الوصول إلى غايات سياسية تتدثر بدثار الدين، وعلى هذا الأساس لا يمكن إسقاط الأهداف السياسية من معادلة الإرهاب، وبالتالي فإن ملاحقة التطرف من طريق واحد هو دوران في الحلقة المفرغة؛ بدليل أن المجتمعات ما زالت ممولا للتشدد بكل ما فيها من جهل وفقر ومشكلات اجتماعية وثقافية.



وهنا تبدو المواجهة الفكرية حقيقية: فالمتطرفون حاولوا خلال السنوات القليلة الماضية الهروب من مأزق تشويههم للدين وتوظيفهم للنصوص، ومحاربتهم لتوجهات الدولة الإصلاحية فاعتمدوا نشر هذه الشائعة كنوع من «الإسقاط»، وربما نجحوا نسبيا في اختراق المجتمع حيث بدأ كثير من الأفراد بالتأكيد على هذه الفكرة التي يقصد منها أصلا تشتيت الانتباه عن ارتباط التطرف بالفكر الديني، حتى وصل الأمر ببعض المشايخ للتماهي مع هذه الفكرة.



ومن سلبيات هذه الأيديولوجيا أنها تحاول تغييب القيم الإنسانية في التراث الإسلامي، ومن ذلك قيم التعايش والسلام بين البشر، حيث لم يتم إبراز دور العلماء والمثقفين - المسلمين وغير المسلمين - في بناء حضارة العالم من خلال الحضارة العربية أثناء ازدهارها وارتقائها، ولكن يبدو أن مثل هذه الإضاءة لن تبرز في ظل ظاهرة «أدلجة القيم» التي طغت على المجتمعات العربية والإسلامية اليوم.



فدعوى استفزاز الأفكار المضادة لم تعد جديرة بالصمود أمام واقع تداول الأفكار القابلة للخطأ والنقد والرد، ولكن الأيديولوجيا غالبا ما يعاني المتبنون لها من أزمة الصحة المطلقة للأفكار والمعتقدات والآراء، سواء كان التوجه الأيديولوجي دينيا أو عرقيا أو اقتصاديا، بل إن القيم الإنسانية العظمى يمكن أن تعد قيما خطرة إذا ما تعارضت مع التوجه المطلق للأيديولوجيا، فمفهوم «الحرية» مثلا يحضر في الفكر الجمعي بمعنى «الفوضى»، إذ إن كل ما في الأمر أن الأفكار المتداولة مقابل الفكر الديني تقوضه، وبالتالي صمودها يعني نهاية الأيديولوجيا، وهذا ما لا يريده المؤدلجون من جميع المشارب والتوجهات.



وخلاصة القول هنا هي إن المعرفة لا يمكن أدلجتها، فأي إطار سياسي أو ديني يسعى لقولبة المعرفة من أجل تحقيق مكاسب هو وجه آخر لنضوبها وفقر المجتمع المنتمي لها، وهنا يجب الحذر من أجل درء الخطر.