عبدالعزيز الخضر

الترفيه.. به طق وإلا ما به طق؟

الاحد - 29 يناير 2017

Sun - 29 Jan 2017

في كل مرة تصل فيها الدعوات لحفل زواج يحضر مباشرة هذا السؤال السائد بين الأمهات وبناتهن في مجتمعنا عن نوع العرس «به طق وإلا ما به طق»!؟ منذ نهاية الثمانينات كان هذا أحد الأسئلة الاجتماعية التي عبرت عن طور وتنوع مستجد داخل المجتمع حول درجة التوجه الديني في الالتزام بفتاوى كبار العلماء التي كانت تنتشر بكثافة مع لحظة العصر الذهبي للكاسيت، في أزمنة لم تكسر التقنية فيها بعد القبة المحمية التي اجتهد البعض على تحصينها. أهمية هذا السؤال خلال رصد هذه التحولات أنه يقدم تصورا نموذجيا لأحد الجوانب للوعي بطرق تكيف المجتمع مع الاختلافات في المحظورات حول أشكال معينة من اللباس والترفيه وإحياء المناسبات.



ميزة هذا التكيف هذه المرة بأنه مستقل عن القرارات العلوية الرسمية، من وزارات أو جهات دينية، بحيث لا يتحول الموضوع إلى عك انتهازي بين جهات عدة، فالصلاحية بأن يكون في هذا العرس أو ذاك: طق أو لا هي لأهل العروس وأهل الزوج بعد أن يمر القرار داخل هذه الدائرة بفرز عائلي لاتخاذ قرار تحديد شكل الحفل وإخراجه، ويتأثر القرار بعدة مؤثرات داخل كل عائلة وخارجها، فداخل كل أسرة تؤثر درجة التدين والحماس الديني في الموقف من هذه الأشياء، وتحضر عادة شخصية الأقوى، وفي كثير من الحالات يكون قرار الأمهات أقوى بحكم أن الطق والرقص خاص بالنساء، فيكون تقدير الأمر متروك لها.



ويتأثر القرار بنوعية المدعوين من الأقارب وأهميتهم ومدى تقبلهم، وتفضل البنات عادة العرس الذي يكون فيه طق ورقص، لأسباب كثيرة ويعتبرون غيره زواجا ميتا، وبالرغم من قوة الموجة الدينية خلال عقد واحد فقط، قبل أن تتراخى مع ظهور الفضائيات ثم النت والتي بدأت تؤثر على هذه المناسبات إلا أنها لم تستطع أن تغير من شكلها جذريا، على الرغم من تعدد المحاولات والتشجيع لصناعة شكل محافظ للزواج أكثر، لكن تجربة انتقدت وأنه ضد طبيعة الفرح، ولم تمض سنوات معدودة حتى تطور الطق فنيا، وزادت تكلفة استقدام الطقاقات بصورة تصاعدية، ووصلت لأرقام بعشرات الآلاف من الريالات، وأصبح بعضها تحت مسمى فرق فنية، وهو تطور بعيد عن تصور الرؤية المحافظة التاريخي للدف في الزفاف.



وللوعي بنوع التحولات بصورة عقلانية يجب أن نزيح أي طرح حركي ثقافي أو ديني أو سياسي مشغول بخصومة يطرز الماضي وفق رغبات مسبقة وليس فهم الحراك الاجتماعي كما هو بكل مسؤولية وأمانة،لقد قاومت حفلات الزفاف واتخذت شكلها اليوم بصورة تصاعدية بل وزاد معدل السهر الليلي حتى في مرحلة قوة الصحوة، وأصبحت العودة من هذه الحفلات تكون مع طلوع الفجر، وتغير اللباس تدريجيا في هذه الحفلات، وأظن المجتمع النسائي أكثر قدرة على تخيل مساحة التحول على الرغم من كثرة الوعظ والمنشورات والنصائح بهذا الشأن. في هذه المناسبات لا توجد مؤسسات رسمية تسيطر على اختيارات النساء، ولم تكن حينها الصحافة تحرض أو النت موجودة في التسعينات بحيث يمكن الحديث عن مؤامرات تغريبية وليبرالية وغيرها أثرت على اختيارات شكل هذه الزواجات وتطورها الفني.



لقد مر خط سير تطورات شكل حفلات الزواج قبل فترة الصحوة على مرحلتين، مرحلة البيوت القديمة والصغيرة، قبل ظهور تأثير طفرة السبعينات، حيث كان الطق والرقص بدائيين بالدفوف وربما بقدور من المطبخ، وكانت تقام في أحواش المنازل، واستمر قيامها في المنازل حتى مع ظهور الفلل الحديثة في السبعينات، لكن بدأت فرق الطقاقات تأخذ حضورها بصورة أكبر، وكان الحاضرون في الزواج هم الذين يرمون الفلوس عليهن من فئة الخمسين ريالا ليغنين لفلان وفلان، وبدأت تختفي تدريجيا إقامة حفلات الزواج في البيوت وانتقلت إلى قصور الأفراح مع بداية الثمانينات، ومعها تشكلت الزواجات بمظهر مختلف في جوانب كثيرة.



هذه التطورات الماضية حدثت كلها قبل تطور النت وعصر مواقع التواصل والسناب خلال السنوات الأخيرة، لكن من ناحية تاريخية كان لتقنية الاتصالات منذ ظهور الدش قبل ربع قرن الجانب الأقوى تأثيرا، وكسر الحصار الإعلامي في كثير من المجتمعات، ولا تزال التقنية تدمر الحواجز وتعيد قهريا ترتيب مفهومنا للعالم اليوم في الاقتصاد والسياسة والدين والاجتماع. المعدل الزمني للتغيير هو الفارق الوحيد بين مجال وآخر، ولا مجال للحديث عن بطولات أحد إلا للتقنية.



ستلاحظ في مجال المجتمع واختياراته البعيدة عن القرارات الإدارية المؤسسية تكون التطورات الاجتماعية أكثر انسيابية وتتمازج الرؤى المحافظة مع المنفتحة حتى داخل الأسر نفسها، وتتكيف كل الرؤى مع تنوع الخطاب الوعظي، وتتيح وجود حيز كبير من التمايز بين الأفراد بحيث يصبح المجتمع خليطا صحيا بين كل الرؤى، وهذه هي التي تصنع المجتمع الطبيعي والحضاري الذي وجدت صور منه في أزهى العصور الإسلامية. عليك أن تتخيل حجم المشكلة اليوم لو أن: «به طق أو ما به» وجلب الفرق الفنية لقصور الأفراح كان يحتاج إذنا إداريا معقدا، ستجد الفئة نفسها التي تبحث عن بطولات وهمية ضد من تسميهم أعداء الحياة تتوهم بأن الفسح بالطق إنجاز تنموي كبير!.. وللحديث بقية.



[email protected]