حنان المرحبي

التعلم المستمر كعادة

الجمعة - 27 يناير 2017

Fri - 27 Jan 2017

ما نشهده اليوم من تغيير سريع في كل شيء من حولنا ومن انفتاح واسع لقنوات التواصل محليا وعالميا يدعونا إلى التأمل والسؤال: هل أهدافنا التي وضعناها لأنفسنا بالأمس ستأخذنا إلى المواقع التي كنا نحلم بها طويلا، أم إننا لما كنا نحلم ونخطط بالأمس لم ندرك أن المواقع التي نخطط للوصول إليها ستتغير وتنتقل إلى منصات أخرى، وأننا حينما نصل إليها سنجد أنه لم يعد هناك شيء ينتظرنا،لا نجد دورا مهما نلعبه، ولا قيمة للأعمال والمهام التي بنينا أنفسنا فيها واعتقدنا أنها تمثلنا.



لهذا فالسؤال المهم قبل أن أحلم هو: كيف أتعلم باستمرار: كيف أجعل التعلم وكشف وتحديث معرفتي بذاتي عادة تجعلني أواكب وأدرك التطورات التي تطرأ من حولي تلقائيا فأكون دائما على استعداد لأي تحولات كبيرة «وغير مريحة أحيانا» في أهدافي متى ما لزمني ذلك كي أضع نفسي في موقع صحيح في مجتمعي؟



التعلم المستمر إذا تحول إلى عادة، فذلك سيقلل من الضغط النفسي وسيوفر الطاقة والجهد اللذين نبذلهما في كل مرة نتخذ قرارا «غير مريح» لتعلم شيء جديد عن أنفسنا، فالقرار يتطلب منا الخروج من منطقة الاستقرار والطرق محددة المعالم إلى مزاولة مهام أو خوض تجارب حرجة ومختلفة تماما، تضعنا في مواجهة مع ألغاز محيرة، وتشعرنا بالمتاهة وتتركنا على حواف المرتفعات، إلى أن نعتقد بأننا ساقطون لا محالة، هناك يحدث التعلم الحقيقي.



وتحويل التعلم المستمر إلى عادة أو أمر تلقائي أصبح ضرورة في زمن هيمنت فيه المشتتات التكنولوجية التي جعلتنا متعددي المهام، مسحوبة أذهاننا يمنى ويسرى، لا نملك حياة منظمة، ولا عمقا، أو معرفة حقيقية لمحيطنا وتحولاته المقبلة، ولا حتى لذواتنا اليوم والغد.



عبر هذه المشتتات نخلق تصورات غير دقيقة عن أنفسنا وإمكاناتنا ومهاراتنا الحقيقية لاختلاف مستويات المهام والأشخاص الذين نتعامل معهم عبرها. من خلال الآخرين (بمختلف خبراتهم) يصلنا تعليقات وانتقادات وكذلك مدح وإطراء (feedback)، فنعتقد أن ما يراه الآخرين فينا هو مرآة صادقة لنا، وسبيلا في متناول اليد للوصول إلى معرفة عميقة لرغباتنا ومواقعنا بالمستقبل، ولإمكاناتنا ومهاراتنا التي تلزمنا كي نلعب أدوار ذات قيمة حقيقية في مجتمعاتنا.



ومع الأسف، كلنا نقع في هذا اللبس، حتى أولئك الذين نؤمن في تفوقهم وذكائهم. ففي دراسة أجراها البروفيسور Dunning David من جامعة University Cornell، أشارت نتائجها إلى أن 95% من دكاترة الجامعات الذين شملهم البحث يعتقدون أن ما يقومون به من أعمال تتجاوز المتوسط المطلوب (وهذا غير واقعي). فقط 6% منهم يعتقدون بأنهم بحاجة إلى تعلم الكثير حتى يكونوا محاضرين فعالين. فأي الفريقين تعتقد أنه سيكون أقرب إلى القوة والفعالية في أداء مسؤولياته، من يعتقد أنه يدرك الكون وتحولاته فيتوقف عند آخر كتاب أو مقال قرأه في حياته قبل عشرين عاما أم من يرى أنه في حاجة مستمرة لتحديث ومواكبة احتياجات العصر من الأدوار والمعارف، وبقيادة تحولاتها أحيانا.



وقد حددت الخبيرة والمؤلفة والمدربة Andersen Erika أربع خصائص في شخصية سريعي التعلم، بنتها خلال عملها مع الآلاف من المدراء التنفيذين، وهي قد تتوفر بالفطرة أو بالاكتساب ومتى ما توفرت أصبح التعلم أحد سمات الشخص الدائمة، وهي: الحافز (aspiration)، فهم الذات (awareness-self)، الشغف (curiosity)، السماح للذات بدخول أماكن قد تتعرض فيها للهجمات الجسدية أو العاطفية (vulnerability).

[email protected]