تفعيل قاعدة «لا تفعل»..

الخميس - 26 يناير 2017

Thu - 26 Jan 2017

منذ ما أطلق عليه المتوجسون في حينه «حمار إبليس» فحرموه، ثم تهاونوا ففسحوه للبعض دون الكل ممن تمكنوا من استخراج رخصة لقيادة «السيكل» من هيئة الأمر بالمعروف على أساس أنه منكر لا يجب التهاون بإتيانه قبل أن يدركوا مدى سلمية السيكل المغلوب على أمره ليتراجعوا ويفسحوه للكل، ومنذ أن حرموا السيارة حتى قادها الملك فتهاونوا وفسحوها، ومنذ أن حرموا التلفاز والدش والهاتف النقال والانترنت والسفر والتصوير، وتطول قائمة المحظورات التي نهى المتوجسون الناس عنها بل منعوهم منها جبرا وعدوانا ثم أتوها هم أنفسهم لاحقا بلا خجل ولا ندم ولا اعتذار للعامة الذين حرموهم منها وعطلوهم عن فوائدها عقودا وعقودا.



منذ ذلك الحين وقبل ذلك الحين وبعده وإلى يومنا هذا وأولئك المتوجسون ومن ساروا على نهجهم واعتلوا نفس منابرهم لا يفتؤون من تكرار التاريخ مرة بعد مرة مجسدين ما تحذر منه آية «قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون»، وفي كل مرة هناك عوامل مشتركة وهي أولا الجهل بالشيء والكسل عن فهمه وثم الرغبة في التسلط على الغير وعنجهية الأحقية بالاتباع حتى لو كانوا على خطأ، أما العوامل التي طرأت مؤخرا -والتي أسهمت نوعا ما في تحجيم ما كان يبدو كسلطة مطلقة بيد المتوجسين- منها أن الناس كانت تعيش في عزلة عن العالم الخارجي وداخل فقاعة الإعلام الداخلي ولم تعد كذلك، فالناس التي يخاطبونها أصبحت تعلم تاريخ المنع والفسح وتبحث وتفكر وتستفتي قلبها وتحكم عقلها وتطالب بأن تقرر لنفسها وتختار.



وهناك عامل آخر كبير وحاسم تحتم ظروف الزمان والمكان أن يطرح في الساحة ويتم تفعيله لنتمكن من تجديد دماء التاريخ ليتناسب ويتماشى مع فصيلة دماء الوطن الجديد برؤية 2030، ويتمثل هذا العامل في قاعدة «لا تفعل». فمن شأن تفعيل قاعدة إنسانية وحضارية مثل هذه أن ينهي الجدل الداخلي في كثير من القضايا الاجتماعية العالقة والمتسببة في انقسام المجتمع وتناحره والمنتجة بالتالي لمجتمع غير متكاتف على قلب واحد أو متعاون على مصلحة وطن واحد، بالإضافة لتوفير الإحراجات والمساءلات على مستوى العلاقات الخارجية.



أما بخصوص كيفية عمل قاعدة «لا تفعل» فهي ببساطة كالتالي: ما ليس فيه اعتداء مباشر أو غير مباشر على الحق الخاص أو العام فهو بديهيا وقانونيا متاح ولك باختيارك أن «لا تفعله». وعلى سبيل المثال لا الحصر، تكون الوسائط الإعلامية متاحة وإن لم تقتنع بفائدتها لك ببساطة أن «لا تستخدمها». وتكون وسائل المواصلات متاحة للعامة ذكورا وإناثا سواء فإن لم تجد أو تجدي فائدتها ببساطة «لا تقد» و«لا تقودي».



وأخيرا -وبالتأكيد وللأسف ليس آخر- فالجدل الحالي الحاصل حول خطط هيئة الترفيه بافتتاح صالات سينما وإقامة حفلات غنائية للعامة ومناسبات الترفيه بشكل عام حري أن يحسم بأنها جميعها تأتي تنفيذا لرؤية 2030 وتحقيقا للهوية الجديدة للوطن -المنفتح والمتسامح والمتعايش والحاضن لأبنائه والمستقبل لزواره- ولذلك فإنها سوف تكون متاحة لمن يجد فيها حاجة ذكرا كان أم أنثى، أما من لا يجد فيها ما ينفعه فله أن «لا يحضر»، وأؤكد على «ببساطة» فيما يقابلها أرباح اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية غير بسيطة..



[email protected]