على طريق الهجرة.. مساجد ومواطن أثرية بحاجة للتطوير

الخميس - 19 يناير 2017

Thu - 19 Jan 2017

بقي كثير من المواطن الأثرية الإسلامية قيد النسيان أو التجاهل قرونا طويلة، ولكن في الأزمة الأخيرة منذ نحو 20 عاما هبت صحوة أثرية طرقت هذه المواطن وهزت جوانبها بحثا وتدقيقا، ولامست قدرا من عمقها المعرفي والتاريخي ولكن بدرجات متفاوتة، ويعود الفضل في ذلك للرواد الأوائل الذين تقصوا مواطن الجزيرة العربية، خاصة الإسلامية منها، ونبهوا عليها وكتبوا عنها كتابات معجمية وأحيانا موسوعية، فلهم الفضل في ذلك، وعلى رأس هؤلاء الشيخ حمد الجاسر ومجلته (العرب) ومؤلفاته الواسعة، ومنهم الشيخ عاتق بن غيث البلادي يرحمه الله الذي وضع معجما واسعا أسماه (معجم معالم الحجاز) في عشرة أجزاء، وهو معجم مكاني بالدرجة الأولى وتاريخي وأدبي تلمس فيه كثيرا من المواطن التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وسجل ملاحظات قيمة أغلبها ميداني مباشر يوم أن كانت غضة لم تتغير ولم تمسها يد العبث، كما صحح بعض الأغلاط التي وقع فيها المؤرخون الأقدمون رحمه الله.



دعاني لتلك الخواطر أنني زرت منذ وقت قريب بعضا من هذه المواطن على طريق الهجرة، ومنها مسجد الفتح بالجموم، وهو المكان الذي يجمع غالبية المؤرخين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأرضه. ولم أجد كتابة تاريخية علمية معاصرة تغطي أهميته فكل المتأتي عبارة عن كتابات إعلامية في غاية البساطة لا تفي أبدا بمظنون (أي باحث) وظهر لي من خلال المشاهدة الانطباعية الأولية أن هناك عمقا تاريخيا واسعا جدا لهذا المسجد، يبدأ من ليلة فتح مكة عندما عسكر النبي صلى الله عليه وسلم بجوار هذا المكان، وتحديدا بمر الظهران الوادي المعروف. والموقع يحتاج لدراسة واسعة تهتم بتطويره والاستفادة من مقوماته المكانية (وظائفه)، فمن الممكن أن يكون رمزا سياحيا إسلاميا، خاصة مع توفر بيئة جاذبة جدا، ولكن أين هي الدراسة التي تستوفي عمقه ومكانته، أتمنى من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن تولي هذا المكان قدرا من التدقيق والبحث العلمي، وليس طلب الإفادة كما جرت العادة بل التقصي وفق معايير علمية تاريخية وأثرية تستقصي جوانبه وتكرس كيفية الاستفادة من الوظائف المكانية لهذا الموقع، بدلا من أن يكون تراكمات اسمنتية فاقدة للقيمة المعرفية تحيط به وتخنقه خنقا شديدا، ولا شك أن الإخوان بالهيئة لديهم برامج تستهدف مواقع التاريخ الإسلامي وبإمكانهم تطويره وتحسين قيمته الأثرية والتاريخية.



ومن هذه المواطن جمدان (بضم الجيم) ويقع في المرحلة الثالثة بعد عسفان بمنطقة تسمى الدف بوادي أمج (خليص اليوم)، وهو جبل عظيم في عمقه التاريخي وردت فيه بعض الآثار النبوية، خاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به كما في حديث (المفردون) المشهور ووظائفه المكانية جيدة ومناسبة للتطوير.



ومن تلك المواطن الإسلامية الرائعة عقبة هرشى ومسجدها فهو لا يقل أهمية عن مسجد الفتح ومسجد البيعة وما زال طريا لم تمسه يد التغيير، والعقبة كما هي بمفرقيها تدفعك لتأمل مسير النبي صلى الله عليه وسلم معها، وفق ما نصت عليه أخبار السير. وتسميها العامة اليوم (هرشان) ويوازي مركز مستورة شرقا. كما نجد الجحفة وهي من المواطن التي مرها رسول الهدى في أسفاره وغزواته بين مكة والمدينة وتقارب رابغ شرقا.



نتمنى من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن تحاول ملامسة هذه القطاعات وتطويرها مع غيرها من الآثار الإسلامية وفق أسس منهجية علمية تجعل منها مواطن جاذبة للزائرين مع جعل القيمة الثقافية تنمية سياحية مستدامة.