محمد العوفي

المواطن والتستر التجاري

الخميس - 05 يناير 2017

Thu - 05 Jan 2017

ظاهرة التستر التجاري كانت الحقيقة التي طالما تحدث عنها المجتمع دون أن تجد آذانا صاغية أو تحرك ساكنا لدى الجهات المعنية لمحاربته، والقضاء عليه، أو الحد منه في أسوأ الأحوال حتى وقت قريب، لذا لم يكن تصريح المشرف العام على وكالة التجارة الداخلية في وزارة التجارة والاستثمار المهندس سهيل أبانمي حول انتشار ظاهرة التستر في قطاع المقاولات جديدا أو مفاجئا، لأن التستر التجاري بدأ في الظهور منذ عقود عدة، ولم يترك نشاطا أو مجالا إلا وغزاه في رابعة النهار، ولا يزال يسجل حضورا في معظم القطاعات، خاصة قطاعات التجارة والتجزئة والخدمات.



والتستر التجاري نشاط محظور ما كان له أن يستشري إلى هذا الحد لولا تواطؤ الكفيل (المواطن)، فهو شريك أساسي في تنامي هذا النشاط لأنه استقدم الوافد، وأنجز جميع الإجراءات المتعلقة باستخراج الترخيص والسجل التجاري تمهيدا لتسليمها للعامل مقابل مبلغ محدد شهريا أو نسبة معينة يتقاضاها شهريا، بغض النظر عن حجم دخل المؤسسة أو الشركة، رغم أنه يدرك أن هذا الإجراء غير صحيح، ومخالف للأنظمة والتعليمات المنظمة للنشاط التجاري.



ما ذكره المهندس أبانمي - ونقلته صحيفة اليوم - من أن نسبة قضايا التستر في نشاط المقاولات المحالة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام تصل إلى 40 % يؤكد حقيقة واحدة هي أن ما اكتشف من قضايا التستر لا يمثل إلا رأس الجليد، لأن قطاع المقاولات من أكثر القطاعات حيوية ونشاطا خلال السنوات العشر الماضية للنمو المتسارع في مشاريع البنية التحتية، علاوة على العائد الجيد الذي يدره هذا القطاع، وقطاع المقاولات حاله حال باقي الأنشطة التي سيطر عليها الوافدون بتواطؤ من المواطن.



الجديد في الموضوع هو ارتفاع وعي المواطنين وزيادة حجم البلاغات عن حالات التستر، ودعمها بأدلة تؤكد عمل هؤلاء الوافدين لحسابهم الخاص بتستر من كفلائهم أو أشخاص آخرين، وهو مؤشر جيد على مدى ارتفاع الوعي المجتمعي والشراكة مع الجهات المعينة للحد من الممارسات غير النظامية والسلبية التي تضر بالاقتصاد، وهو موقف مضاد لمواقف الفئة المتواطئة التي أسهمت في نمو هذه الظاهرة.



مثل هذا السلوك يفترض أن يحظى بدعم وتشجيع، كاستقطاع نسبة معينة من حجم الغرامات الموقعة على المتسترين ومنحها لمن يبلغ عن قضايا التستر التجاري في كل الأنشطة كمكافأة لهم على تعاونهم مع الجهات المختصة، يضاف إلى ذلك أنه سيسهم في كشف كثير من قضايا التستر التجاري، لأن كل محاولات القضاء على التستر بدون تعاون المواطنين ستبوء بالفشل، لأنه موضوع كثير التعقيدات، وكشفه ليس بالسهولة لأي قطاع حكومي.



ليس من المبالغة القول إن موضوع التستر التجاري من أخطر الظواهر الاقتصادية التي سكت عنها فترة طويلة من الزمن، وأدى ذلك إلى ارتفاع حوالات العمالة الوافدة على مدار 15 عاما الماضية، وقاد إلى عزوف كثير من المواطنين عن كثير من الفرص الاستثمارية لما يواجهونه من تضييق ومحاربة من قبل العمالة الوافدة، والذين يتجهون لبناء تكتلات مع أبناء جلدتهم لمحاربة المواطنين الذين يعملون في هذه الأنشطة التجارية.



أعتقد أن الوقت حان للقضاء على هذه الظاهرة للحد من المخاطرة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي ستنشأ من استفحالها في المستقبل، ونقطة التحول في كشف قضايا التستر تكمن في تفعيل دور المواطن في التبليغ عن أي حالة تستر وبشكل مؤسساتي، سواء كان ذلك عن طريق وزارة التجارة والاستثمار أو عن طريق جمعية حماية المستهلك، إلى جانب إصلاح سوق العمل من خلال تحديد ساعات العمل في المحلات التجارية، والضبط المالي بإلزام كل محلات التجزئة دون استثناء بأجهزة نقاط البيع لمراقبة الأموال والحسابات التي تحول لها الأموال.



[email protected]