الإرهاب والعالم

الأربعاء - 04 يناير 2017

Wed - 04 Jan 2017

بدأ هذا العام (2017) على وقع أحداث إرهابية في دول مختلفة، وهذا يعني أن الإرهاب في تزايد مستمر بمعظم دول العالم، وعلى الرغم من تبلور مفهومه بأنه مختلف سلوكيات العنف والقتل والتدمير من منطلق ديني، وما يزال المدنيون والمنشآت العامة ضحية للعمليات الإرهابية، في ظل ما تتبناه الجماعات والتنظيمات السياسية من عنف مستخدمة الشباب المسلم في تنفيذ مآربها، وتسهيل انتقالهم إلى مواطن الصراع والبؤر الساخنة في الشرق الأوسط المتغير جذريا عن عقود مضت، مما أفضى إلى تكريس حلم إقامة دول ما، بعد تفكك بعض الدول من حولنا وضعف سلطتها المركزية.



ويواجه واقعنا المعاصر حقيقة أن «الإرهاب» أصبح معضلة دولية كبيرة يتهم المسلمون بأنهم الذين يقفون وراءها، فأصبحت صفة الإرهاب تلازم بعض المسلمين ضمنيا في بلدانهم، كما تلازمهم خارجها وتجعلهم موضع الشك والرهيبة، في ظل عدم وجود استراتيجية عالمية واضحة وموحدة لمكافحة الإرهاب الذي انتقل إلى العالم كله عبر دعاوى التكفير-التي هي المحرك الفكري والعاطفي للإرهاب- تبدأ من التأثير على المشاعر بكراهية «الآخر» سواء كان مسلما أو غير مسلم، ولا ينتهي الأمر عند ذلك بل يمتد إلى تصنيف وتقسيم الأفراد في المجتمع الواحد لتحقيق هدف فرزهم إلى منتم وغير منتم.



وعلى ضوء ذلك يتولد واقع متجدد يهدد مستقبل الوجود الإسلامي برمته، فعلى الرغم من نفي تهمة الإرهاب عن الدين الإسلامي، لم يمكن نفيها عن بعض المسلمين الممارسين للإرهاب، كما لم يقتنع العالم حتى الآن بمحاولات الإقناع بأن الإرهاب فكر دخيل على المسلمين، ولكن حين اكتوت دول الغرب بنار الإرهاب دعت إلى تحالف دولي لمحاربته، لكن الحقيقة التي لا يمكن نفيها هي أن الإرهاب أصبح استثمارا لتحقيق أهداف سياسية ربما تخدم تلك المنظمات، أو تخدم دولا أخرى لديها مشاريعها هي الأخرى، وأوضحها في هذا الصدد إيران التي استخدمت هذه الاستراتيجية منذ بدء الثورة الخمينية.



وأسهمت الأحداث الإرهابية المتلاحقة داخل البلدان العربية والإسلامية وفي مختلف دول العالم إلى تكريس كراهية الدين الإسلامي، وتكريس الصورة النمطية عن المسلمين بأنهم إرهابيون، هم دائما موضع التوجس والشك، ولم يشفع لهم اكتواء بلدانهم ومجتمعاتهم بنار الإرهاب، غير أن الرؤية العاطفية السلبية المتكونة لدى كثير المسلمين عن «الآخر» الغربي دائما ما تؤكد للآخر أنه مستهدف دائما، وأن المعالجات الإرهاب المعمول بها ليست عميقة بما يكفي لتحقيق نظرة متوازنة قوامها الشراكة الإنسانية، بل إن الصورة النمطية لدى هذا الآخر تقابلها صورة نمطية لدى المسلم بأن هذا الآخر هو مصدر كل البلاء ومصدر الفشل في كل مشاريع الحياة، وهنا تبرز ضرورة تجديد الخطاب لغة وفكرا ليأخذ منحى متوازنا، إلا أن التركيبة المجتمعية المحافظة لا يمكنها تقبل التغيير بسهولة، وهذا ما أبطأ حركة تطور المجتمع في ظل عدم فاعلية بعض مراكز ومؤسسات المجتمع الحيوية.



وبما أن المملكة عانت وطأة الإرهاب في وقت مبكر بدا واضحا منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي؛ فقد أصبح لديها الخبرة والقدرة على استباق عمليات الخلايا النائمة التي تهدف -على اختلاف وجوهها- إلى اعتلاء السلطة وإقامة دولتها المزعومة في نهاية المطاف، وهذا ما تستوجب وجود خطوات مدروسة تبدأ ببث روح المواطنة لدى الشباب في المجتمع وتوجيههم إلى الإنجاز والعمل الوطني الخلاق، بالقدر ذاته الذي يتم فيه كشف شبهة أفكار تلك التنظيمات ومنافاة أدبياتها -الزاعمة للحق والعدل- للقيم الدينية والإنسانية، حيث يمكن لهذه التنظيمات أن تسعى لتدمير المجتمعات التي تعيش فيها من أجل تحقيق أهدافها السياسية التي تمتد من المحلية إلى العالمية.