وحيد الغامدي

السينما.. ضرورة أم ترف؟!

الاثنين - 02 يناير 2017

Mon - 02 Jan 2017

حين نتأمل في محتوى الأفلام الهوليوودية سنجد أنها صنعت وتصنع الصورة المثلى لأمريكا، حتى مع وجود النقد وتسليط الضوء على الأخطاء السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أحيانا، لكنها تصنع تلك الصورة المثلى عن أمريكا /‏ الأرض والوطن والتاريخ (المضيء) والمستقبل الممعن في المجد والقوة من وجهة النظر الأمريكية، وهكذا تصنع الشاشة في وعي المتلقي.



في تركيا قفزت السياحة بعد أن غزت المسلسلات التركية الشاشة العربية، وقدمت الصورة المثلى للأرض والطبيعة والنظام الأمني. وهذا هو الدور الحقيقي للفن بشرط أن ينحاز للإنسان طبعا، ولكن يمكن بكل جدارة أن يؤدي دور الدعاية الأقوى في عالم اليوم أكثر مما تؤديه وزارات الإعلام الرسمية التي عفا على أدواتها الزمن، وباتت أدوات المعركة اليوم أكثر تعقيدا تدخل فيها السينما والفنون لتغير مجرياتها كليا على الأرض.



إننا بحاجة ماسة إلى امتلاك هذه الأدوات المعاصرة في توجيه معاركنا السياسية والثقافية على السواء، فإيران التي لديها صناعة سينما مبكرة تترقب إطلاق فيلم (سادات خانم) الذي تقول عنه وسائل الإعلام إن من المرجح أن يفجر أزمة سياسية بين طهران والرياض، وتأتي أحداث الفيلم الإيراني في سياق استثمار ما حصل في منى في حج عام 2015، وبالطبع سيكون التناول من وجهة النظر الإيرانية المؤدلجة كالعادة.



في المقابل رأينا كيف هو تأثير السينما الإيرانية المهاجرة على الداخل الإيراني، فالفيلم (رجم ثريا) الذي كان ترجمة للرواية الدموية (المرجومة) عمل على إحداث صدمة كبيرة للوعي الإيراني قبل غيره، وقد ساهم إلى العظم في إحراج نظام الملالي والثقافة الدينية الخمينية التي رافقت ثورة 1979، وهذا الأمر بدوره – إلى جانب عوامل أخرى – أدت جميعها إلى زيادة القاعدة الجماهيرية لتيار الإصلاحيين داخل إيران.



إن صناعة السينما في عالم اليوم هي سلاح حقيقي لكل من يريد أن يوصل رسالته للرأي العام العالمي، ولكن يجب عدم إغفال الناحية الإنسانية التي من أجلها ابتكرت هذه الفنون، وألا تكون غايات الدعاية على حساب تلك النواحي القيمية والإنسانية، وذلك لأن هذا الأمر بحد ذاته هو دعاية أخرى أكثر عمقا، وأبلغ أثرا.



المشكلة التي لدينا هنا في المملكة أن العقول مسلمة لكل الشاشات والقنوات السينمائية غير الخاضعة لسلطة الإعلام الرسمي، ودون وجود خطاب مواز، والخطورة هنا غير متخيلة أبدا في ظل ضيق الأفق ومحدودية الرؤية عند المنطق المعارض الذي يدرك تماما امتلاء البيوت بكل أنواع التلقي السينمائي وغير السينمائي، غثه وسمينه، ولكنه يحرص على بقاء المشهد العام خاليا من مظاهر السينما كدلالة امتلاكه زمام السيطرة، في حين أنه يدرك خلاف ذلك. هذه ليست دعوة لفرض سلطة الإعلام الرسمي على الفضاء، ولكنها دعوة لامتلاك أدوات المنافسة المعاصرة، وإيجاد خطاب ثقافي وفني مواز ومواجه لما يعرض على الساحة العالمية من غث وسمين.



التاريخ يعلمنا أنه لو أنصت الملك فيصل رحمه الله للرأي المتشدد في تحريم التلفزيون آنذاك لما استطعنا مواجهة دعاية عبدالناصر في الستينيات، خصوصا إبان اشتعال جذوة اليسار والدعاية اليسارية المشتعلة والمنفلتة من عقلانيتها آنذاك.



اليوم هي نفس المعركة، بأدوات جديدة، ولكن على جبهات متعددة، وقد بات علينا تفهم واقعية تلك الأدوات؛ من أجل إنقاذ وتوجيه جيل جديد بدأ يتخلق خارج رحم السيطرة الاجتماعية والدينية والثقافية.



[email protected]