فايد العليوي

مثقفون وأمير

الخميس - 29 ديسمبر 2016

Thu - 29 Dec 2016

لا أحد منا ـ ربما ـ لا يعرف كتاب «مثقفون وأمير» لمؤلفه محمد سعيد طيب، الذي نشره باسم مستعار في أوائل التسعينات، ثم أعيد نشره موقعا باسمه الصريح قبل أعوام قليلة. مضمون الكتاب كان حوارا ساخنا متخيلا في مجلس أمير سعودي، ضم شخصيات من مختلف تيارات المجتمع. والحوار وإن كان متخيلا إلا أنه كان واقعا في معطياته، فمحمد سعيد طيب مثقف وصاحب منتدى أسبوعي شهير وناشر سابق، ومن المؤكد أنه قد خاض نقاشات طويلة وساخنة مع الأمراء والمسؤولين، ليس هو وحسب، بل معظم المثقفين قد مروا بتجربة النقاش الساخن في مجلس الأمير. فمعلوم لدى الجميع أن الأمير في منطقة الخليج عموما قريب جدا من المثقفين ومن نبض الشارع، ولا يوجد أمير خليجي إلا وله مجلس يختلف إليه الفقهاء والأدباء والمثقفون. فللملك فهد ـ رحمه الله ـ أصدقاء كثيرون من المثقفين من مختلف دول العالم العربي، وللأمير سلطان ـ رحمه الله ـ مجلس يتردد عليه المثقفون ويتناولون مختلف القضايا دون حرج، وكذلك الأمير نايف، رحمه الله، والملك سلمان ـ حفظه الله ـ الذي يكاد يكون من أكثر الملوك العرب ثقافة واطلاعا على الشأنين الفكري والثقافي. فالذي أود أن ألخصه للجميع هو أن «مجلس الأمير» يكاد يكون أكثر المجالس سخونة وتناولا للقضايا الحساسة والحرجة. فعلى سبيل المثال قال لي قينان الغامدي ونحن نتحدث عن السقف العالي في «مجلس الأمير» ذات مرة، إنهم كانوا مجموعة من الصحفيين في مجلس الأمير نايف، وحثهم الأمير على كشف جوانب الخلل في الأداء التنفيذي، فقال له أحد رؤساء التحرير، لا أذكر بالضبط من هو، ولعله كان خالد المعينا: «لكن يا سمو الأمير هناك وزارات يتسنمها أمراء فلا نستطيع نقدها». فمر النقاش دون تشنج أو حرج.



مر عقدان على نشر كتاب «مثقفون وأمير»، والآن لا تجد مكتبة إلا على أحد رفوفها هذا الكتاب الساخن. حتى عندما أعيد نشر الكتاب باسم المؤلف الصريح، لم يستدع ولم يستجوب على حد علمي، لسبب بسيط، ألا وهو أن جل مخاوفنا وتوجساتنا هي مجرد أوهام نغذيها بعضنا مع بعض! وجل هذه التوجسات تدور حول «الرأي العام»، وضرورة إبعاده عن النقاشات الساخنة والقضايا الحرجة. ودرجت العادة على أن «المجالس أمانات»، وما يدور في هذه المجالس يفضل أن يبقى داخلها. وللأمانة لم أسمع من مثقف أو صحفي أنه طلب منه مباشرة عدم التحدث بما دار في المجلس، لكن بقي هذا العرف قائما إلى يومنا هذا.

تذكرت كتاب «مثقفون وأمير» وأنا أسمع ردود الأفعال عن لقاء ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمجموعة من الصحفيين والمذيعين والمثقفين قبل أيام. وانصب النقاش حول ماذا دار في مجلس الأمير بالتفصيل. والذي أود أن أقوله هو أنه من الضرورة تجاوز عرف «المجالس أمانات»، طالما أن مثل هذه القضايا لا تمس الأمن الوطني. فالقضايا التي تمس الأمن الوطني يناقشها صناع القرار مع الجهات المسؤولة وتبقى غير صالحة للنشر، بل وحتى في أعرق الدول الديمقراطية لا ترفع السرية عن بعض القضايا إلا بعد مرور عدة عقود، لكن مثل النقاشات السياسية العامة والفكرية والاجتماعية والاقتصادية ينبغي ألا يتحرج المثقف أو الصحفي من الحديث عنها طالما أنها تدور في فلك القضايا العادية الراهنة.



[email protected]