سليمان الضحيان

سقوط داعش هل يساهم بفكر إسلامي جديد؟

الأربعاء - 07 ديسمبر 2016

Wed - 07 Dec 2016

الفكر ليس متعاليا على الواقع، بل نتيجة من نتائج جدلية العلاقة بين المعرفة وأطرها المجتمعية السياسية والاقتصادية، فالفكر والواقع (الزمكاني) يشكلان علاقة جدلية ذات تأثير متبادل، فالفكر يصنع الأحداث، والأحداث تساهم في صنع الأفكار، وهكذا في دورة جدلية دائمة متأثرة بسيرورة الزمن وتشكلات الحضارة.



وقد خضع الفكر الإسلامي في تاريخه كله لهذه الحقيقة، فكل التشكلات الكبرى في مسيرة الفكر الإسلامي عبر التاريخ خاضعة لهذه الجدلية بين الفكر والواقع، وقراءة المفاصل الكبرى في تشكل الفكر الإسلامي تبين عن هذا، فنشوب الحرب الأهلية بين على بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، كان حدثا عظيما نتج عنه نشوء فكر الخوارج الذي ما لبث مع الأيام أن أصبح مذهبا له رجاله وكتبه، ثم بعد أن استتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان حول الخلافة لملك جبري، وذلك بتعيين ابنه وليا للعهد، وكان هذا حدث جلل، أحدث صدى هائلا، نتج عنه ثورتان، ثورة في الحجاز يقودها عبدالله بن الزبير، وثورة في العراق يقودها الحسين بن علي.



وكانت حادثة استشهاد الحسين من أعظم الأحداث التي زلزلت المجتمع المسلم آنذاك، ونتج عنها حركة التوابين بقيادة عبدالله بن صرد، وما لبثت الحركة بعد حين أن نتج عنها تحول التشيع من حركة معارضة سياسية إلى أيديولوجيا دينية لها تنظير ديني خاص، له علماؤه وكتبه، ثم بعد أن قضى عبدالملك بن مروان على ثورة ابن الزبير، وثبت دعائم الدولة الأموية، قامت ثورة عبد الرحمن بن الأشعث، وهي ثورة كبيرة، قوامها ستون ألف ثائر، فقضى الحجاج والي الأمويين في العراق على تلك الثورة، وقضى على آمال الثوار وطموحهم في إعادة الخلافة الشورية، فنتج عن هذا فكران جديدان، قسم من الثوار أيس من التغيير، وأداه عجزه عن التغيير إلى تحويل هذا العجز واليأس إلى فكر ديني، يرى أنه لا يضر المسلم ترك أي تكليف ديني ما دام معه أصل الإيمان، ولهذا فهو ليس مسؤولا عن تغيير واقع السلطة الجائر، وهو ما سمي بمذهب المرجئة، قال قتادة وهو معاصر لثورة ابن الأشعث: «إنما حدث هذا الإرجاء بعد هزيمة ابن الأشعث».



والقسم الآخر من الثوار حاولوا إبقاء وهج الثورة على الحاكم الجائر، فنظروا لهذا دينيا، ونتج عن هذا فكر المعتزلة، إذ جعلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول مذهبهم. وفي عهد المأمون قام بفرض الاعتزال بقوة السلطة على الأمة بفقهائها ومحدثيها، وهذا ما أحدث حركة معارضة واسعة، قابلها المأمون بالقمع، ثم ما لبث المأمون أن توفي، وتوج أحمد بن حنبل إماما لمعارضي الاعتزال، أدى ذلك كله فكريا إلى اكتمال معالم مذهب أهل الحديث، وضعف مذهب المعتزلة.



وفي العصر الحديث سقطت الخلافة الإسلامية، وهو حدث جلل، فلأول مرة في التاريخ الإسلامي لا يكون للمسلمين خليفة، هذا الحدث أدى إلى نشوء فكر الحركية الإسلامية، وازدهار التنظير في الفقه السياسي.



ثم في نهاية القرن العشرين احتل الاتحاد السوفييتي أفغانستان، وقامت حركة مقاومة مسلحة، التحق بها جمهور واسع من الشباب العربي والإسلامي، وهذا الحدث الكبير أنتج فكر الجهاد الذي ما لبث أن تحول إلى تنظير لفكر العنف كما هو مع تنظيم القاعدة، ثم في بداية القرن الواحد والعشرين احتلت أمريكا العراق، وهو حدث جلل أنتج فكر داعش الذي تميز بتطبيق دموي متوحش لأفكار دينية ظلت في نظر جمهور واسع تنتمي للتراث، كأفكار قتل المرتد، وتكفير من لا يحكم بالشريعة بإطلاق، واسترقاق المقاتلين، وإباحة قتل العسكريين، وفرض رؤيته الدينية الشمولية المتشددة في كل مجالات الحياة على المجتمعات التي حكمها.



وهذا التصرف من داعش أحدث صدمة عميقة لدى جمهور واسع من العرب والمسلمين، واليوم وتنظيم داعش في مرحلة الأفول هل يحدث زواله استجابة واسعة لأي حركة فكرية تدعو لمراجعة قراءة التراث وفق مناهج جديدة في طريقة الاستنباط من النص الديني؟ أعتقد أن الاستجابة لمثل هذا متوقعة كما رأينا أن أحداث تاريخنا نتج عنها أفكار جديدة، فحدث داعش سينتج عنه ذلك لا محالة.



[email protected]