آلاء لبني

تنمية بيئية مستدامة غائبة

الاحد - 27 نوفمبر 2016

Sun - 27 Nov 2016

لتقييم الوضع الراهن ورسم صورة متكاملة لأي قطاع إنتاجي في المملكة يجب قراءة التاريخ السياسي للقرارات الحكومية، وأثرها على التنمية المستدامة، والقطاع الزراعي أحد هذه القطاعات التي مرت بمراحل مختلفة، ولكن للأسف افتقدت بعض السياسات الزراعية لعملية التوازن والتخطيط المتكامل، ما زال الوضع يدور في الدائرة نفسها حتى مع تغير مسمى الوزارة لـ(وزارة البيئة والمياه والزراعة).



بهدف تبسيط طرح الفكرة مرت المملكة بمرحلتين أساسيتين كالآتي:

- مرحلة التوسع والطفرة الزراعية ودعم سياسية الأمن الغذائي التي بدأت في السبعينات إثر تبني الدولة سياسة التنمية الزراعية في إطار التنمية الاقتصادية والتنمية الريفية الشاملة، والتي هدفت إلى توفير احتياجات السكان من الإنتاج الزراعي، ورفع مستوى الدخل لديهم عن طريق التنمية الزراعية وتقديم الإعانات والقروض وتوزيع الأراضي البور.. إلخ، حيث أصبحت الزراعة الوظيفة الاقتصادية الرئيسة لبعض المناطق بشكل مباشر وغير مباشر لاعتماد القطاعات المختلفة على مدخلات النشاط الزراعي وإنتاجه.



بالعودة للتاريخ السياسي ورغبة الملك الفيصل، رحمه الله، في أن تمتلك المملكة قوتها وقرارتها بزراعة القمح لذلك رفض عرض وزير خارجية أمريكا آنذاك هنري كيسنجر بتوفير القمح بتكلفة أقل من زراعته بثلاث مرات، ولنفهم حقيقة وضع المملكة فهي الدولة العربية الوحيدة التي استطاعت تحقيق الاكتفاء من القمح.

ولكن للأسف أن هذا التوسع شمل الكثير من المحاصيل غير الاستراتيجية وامتد لمرحلة التصدير. وهنا يكمن الخطأ: دولة فقيرة مائيا كيف تصل لمرحلة التصدير؟!



- مرحلة انتهاج الدولة سياسة استراتيجية الأمن المائي خصوصا منذ عام 2000 إثر تراجع مستويات المياه الجوفية وتشريع عدد من القرارات منها صدور قرار في 27 /2 /2003 بوقف توزيع الأراضي البور، والقرار 335 الأكثر شهرة في 19 /11 /2007 القاضي بالموافقة على قواعد ترشيد استخدام المياه في المجالات الزراعية ومنه (على مؤسسة صوامع الغلال ومطاحن الدقيق أن تتوقف عن شراء القمح المنتج محليا تدريجيا في مدة أقصاها 8 سنوات بمعدل 12.5% .. إلخ)، وحاليا قرار 66 في 25 /2 /1437 بوقف زراعة الأعلاف في مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات.



في ظل كل هذا لم يكن لوزارة المياه دور فاعل في تحديد تعرفة المياه المستخدمة زراعيا بتركيب أجهزة قياس للآبار الزراعية، ولا في تطوير قطاع استخدام مياه الصرف المعالجة ثلاثيا، ولا في توزيع الأراضي وفق القدرات المائية، ولا الاستفادة من مياه الأمطار والسيول بزيادة أعداد السدود والكف عن إلقائها في البحار، ولا البحث عن مصادر مائية جديدة، ولا المحافظة على عدم تلوث المياه الجوفية.



المحصلة، ازدادت المساحة المزروعة من محاصيل غير استراتيجية ودعمت زراعتها كالخضروات والفواكه والزيتون والنخيل.. إلخ، مع تأرجح كبير لأسعار المنتجات الزراعية في ظل غياب القطاع التسويقي القوي والميزة النسبية للمناطق.



وانتشرت المحاصيل ذات الجدوى الاقتصادية والقيمة الربحية على رأسها الأعلاف، ولعل وزير البيئة الحالي، رئيس أكبر شركة ألبان سابقا، يعرف تماما كمية الأراضي التي اشترتها الشركة لتحويلها لإنتاج الأعلاف في ظل سياسة دعم تصدير الألبان، وما زلنا نتباهى بتصدير الألبان والعصائر!!



وسوف نغطي في السنوات المقبلة احتياجات منظمة التجارة العالمية من التمور والدول الغربية، (مع تصريح الوزير المتناقض 30 مليون نخلة من أين سنأتي بالمياه لها)، وفي الوقت نفسه دعم التصدير الخارجي ومجلس التمور الدولي.



والآن وفي ظل تزايد الفجوة الغذائية وتطورها بالمملكة، تم التراجع بشكل جزئي عن قرار وقف القمح والسماح لمن يمتلك 50 هكتارا بزراعتها، بعد أن تحول بعض المزارعين المتخصصين في إنتاج القمح لزراعات أخرى كالنخيل والفواكه (الأشجار المثمرة)، وحتى الأعلاف وهي محاصيل أكثر جدوى اقتصادية من القمح الذي ترتفع تكلفته الإنتاجية، مما يعني هامشا ربحيا ضعيفا، غياب التوضيح للقرار وعدم تحديد آلية وأسعار الدعم وآلية شراء صوامع الغلال وعدم تحديد النسبة مستهدفة للإنتاج المحلي، وعدم تحديد مناطق معينة تجود بها زراعة القمح الشتوي، ستحول دون تطبيق القرار.



أخيرا أتساءل عن دور البيئة في الوزارة!؟ ومعرفتها بمؤشرات التصحر. وللحديث بقية.

الحقيقة المرة ما زلنا ندور في الدائرة المغلقة نفسها لا أمن غذائيا ولا مائيا.