شاهر النهاري

بعض مجتمعنا السعودي فقد البوصلة

الجمعة - 26 أغسطس 2016

Fri - 26 Aug 2016

كنت على متن رحلة متجهة لدبي، وقد طوتني عين الخجل بشعوري بالوحدة على كرسي الطائرة بين غلبة نسائية عارمة، جعلتني انكمش بثوبي الأبيض، وسط لوحات سريالية من السواد.



وبعد دقائق من إقلاعنا، تبدلت الأحوال من حولي بشكل مرعب، يدعو للحيرة، والتساؤل والبحث، فقد زال السواد بقدرة قادر، وتفتحت الألوان الزاهية المتبهرجة من كل جنبات الطائرة، وفاحت العطور، لتطغى على الأنفاس؛ ولو كان الأمر قد توقف عند هذا الحد، لهانت الأمور، ولأكملت رحلتي دون عجب، ودون غضب، ولكن البعض منهن أظهرن ملابس متحورة منكمشة شفافة تستحي حتى الأجنبيات من ارتدائها، في أفق مكتظ كهذا، وفي موقف يمثل المجتمع السعودي بأكمله، وبجرأة ووقاحة كتلك!.



وأغمضت عيني، ودعوت الله ألا تكون كل الطائرات المغادرة للسعودية بهذا الشكل المزري، وألا تكون هذه سمة لمجتمعنا المحافظ، في أعين من نذهب لنسيح في بلدانهم.



أخرجت حاسوبي المنكوب الذي كان برفقتي، وحاولت أن أسطر فيه مرئياتي، وأن أبحث عن الأسباب التي قد تكون سببا لتلك الظاهرة، فكانت لي بعض النقاط المتبرجة!:



1. طول وشدة فترة الكبت، التي واجهتها الأنثى السعودية على مر العقود الماضية، أثرا كثيرا في تطرف مفاهيمها عن الحرية، ومما زاد من عنف ردة فعلها إلى الضد!.



2. نمو الشروخ الأسرية واستيطانها بين أفراد كثير من الأسر الثرية، بحيث لم يعد الرجل يجتمع بنسائه وبناته كثيرا، ولا يسافر معهن، بل إن مسؤولية الصغار قد تركت بالكامل للأم، وللسائق، وللعاملات المنزليات!.



3. شيوع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وطغيانه عند أغلبية المجتمع السعودي، بكل مكوناته،فلم يعد الأغلبية يرتبطون حقيقة بأسرة أو مجتمع، ولم يعد كثير منهم يهتم بما يحدث للأقربين منه، وكل يعيش في فلك حياة من النرجسية، والتسابق، والتحدي في الجرأة، وفي التطور، وفي الرخاء المعيشي، بتوثيق جميع كلماته، وحركاته، وملابسه، واكسسواراته، وأكله ومشروبه، وأفراحه، وهمومه، وإرسالها لأصدقاء لم يعد يخالطهم، إلا من خلال الصور والمقاطع.



4. ما يوجد على مواقع التواصل الاجتماعي يمثل أخطر الأوبئة، اجتياحا للأخلاق، خصوصا من يكذبون ويدعون العكس، وحتى الأطفال الصغار تلوثت أفكارهم، وشعروا بالتناقض، والانفصام عن الواقع، وهم يشاهدون بأعينهم ما لم يكن ممكنا لهم رؤيته، أو حتى السماع به، من أعمال جنس فاضح، وعنف وتمظهر، دون ناصح أو رقيب!.



5. كثير من البيوت محطمة من الداخل، بعد أن اجتاحتها كارثة الزيجات المتعددة، ودون وعي أو حرص، فكأنهم عند آبائهم مجرد شخصيات افتراضية يكفيهم منه أن هيأ لهم المشرب، والمأكل، والمسكن، والدرس، واللبس، والصرف، والسفر، والمتعة.



6. المثل الأعلى لم يعد ذلك الشخص الحقيقي المتزن المحتشم العاقل المليء بالمشاعر الإنسانية؛ ولكن أكثر المثل الحالية أصبحت لمن لا يمتلك إلا القشور، مهما أظهر لنا الصلاح كقشرة زائفة مصطنعة كاذبة، تباع وتشترى، وتنمو بتلميع الإعلام، وتخدع بمظهر لا يمت للحقيقة بصلة، ولكنه شديد الجذب، لمن يرغب في التمظهر والتقليد!.



أنا هنا لا أحاول الإساءة إلى مجتمعنا، وأعلم أن الكثير منا ليسوا هكذا، ولكني أحاول توجيه رسالة للآباء، المتساهلين في أدوارهم العظيمة التأثير، بأن البوصلة مفقودة.