وحيد الغامدي

من هم (المنافقون) حقيقة؟

الجمعة - 29 يوليو 2016

Fri - 29 Jul 2016

تزخر اللهجة العامة المسيطرة على وعي البعض بمصطلح (المنافقين) قاصدين بها خصومهم من الكتاب والإعلاميين، هادفين بذلك إلى إسقاط الدلالة الاصطلاحية وما يتبعها في الثقافة الدينية التي يزعمون الانطلاق منها؛ فيسوغون بذلك الإسقاط تصوير أي نقد للأخطاء على أنه لمز من (منافقين)؛ مستحضرين ذلك الإرث التاريخي للوعي بهذه الفئة وحضورها السلبي في التاريخ.

في الدلالات اللغوية وكذلك الشرعية للمصطلح تتبلور مفاهيم النفاق في خلاصةٍ مفادها: إظهار الإيمان وإخفاء نقيضه، وتصوّر الأحداث التاريخية استفادة المنافقين مادّيا ومعنويا من ذلك التماهي مع ثقافة المجتمع والانسجام مع النغمة العامة لمظهرياته المعلنة، فهل ينطبق هذا الوصف على كاتب أو مفكر يحاول تصحيح بعض تلك المظهريات وينتقد علانية بعض الأفكار السائدة التي تنافي الغايات الإنسانية والمعرفية والحقوقية معرّضا نفسه لمختلف الخسائر جراء تلك المهمة الرسالية التي ستجابه بكل أنواع ردّات الفعل الغاضبة جرّاء مخالفة السائد؟

هل هذا هو المنافق أم ذلك الذي تماهى مع تلك الثقافة السائدة وانسجم مع الواقع كما هو، لاعبا على الأوتار المفاهيمية لأيقونات الفضيلة والدين والهوية من أجل تحقيق مختلف المكاسب الممكن تحقيقها تلقائيا بمجرد ارتداء ذلك اللباس وتقنّع تلك المزايدات؟ أيهما أقرب حقيقة واصطلاحا.. و(لغة وشرعا) لمفهوم النفاق؟

تزخر الثقافة الدينية أيضا التي نحملها جميعا، والتي يريد البعض الاستئثار بأحقية امتلاك فهمها وتأويلها، تزخر بتوضيح صفات المنافقين، والتي ليس أقلّها (وإذا خاصم فجر)، فحين نتأمل اليوم أيُّهم أصحاب الفجور في الخصومة واستعداء الدولة على خصومهم من أجل زلّات متخيلة؟ وأيُّهم (إذا حدّث كذب) في تلك الأخبار والمرويات التي يكفي أن تبدأ بالترويسة التالية: (حدّثنا أحد الثقات)، لتكتسب صفة القطعيّة التي لن تقبل الطعن في الرواية ولا في السند ولا في المتن؟!

لا أريد أن أبرئ فئة دون أخرى، ولكني فقط أتساءل أيضا أيُّهم هو المنافق؟ أهو ذلك الذي يلبس أحلاس الزهد وهو يشترط المبلغ الضخم من المال ليقيم محاضرة عن فضائل الورع أم هو ذلك الذي ينتقد هذا الاستغفال للناس ويكشفه ويبيّن زيفه؟ لكني سأتوقف الآن عن المقارنة لأترك ما تبقى من أسطر لهذه الأسئلة:

- إلى أين ستتجه بنا هذه السطوة في التصنيف وفرز الناس بحسب الموقف من تلك الفكرة أو ذلك الشخص؟

- هل يمكننا خلق مجتمع منسجم إزاء كل هذه الحدّة في التجاذبات؟

- لماذا نحن أعداء للحوار؟ ومتى سندخل في حوار داخلي حقيقي؟

- وإلى متى ستبقى هذه اللغة في إقصاء الآخرين؟ وهل الاختلاف حول فرعيات فقهية مثلا يمكن أن تكون سببا كافيا للإخراج من حاضنة الدين بالكلية؟

خطورة المفاهيم التي تتسلق المصطلحات الدينية والتراثية تكمن في أنها تنطلي على الكثيرين آخذة صفتها القطعية في الإسقاط الدلالي على المعيّنين بسبب اتكائها على ذلك الاستحضار المجاني من النصوص، وبالتالي اكتسابها بعض القداسة إيهاما، بسبب صناعتها وإخراجها وفق تلك المؤثرات الدينية. هكذا يصنع التزييف القابل للانفجار في أي لحظة.

[email protected]