مرزوق تنباك

الرؤية والرأي الآخر

الثلاثاء - 03 مايو 2016

Tue - 03 May 2016

الرؤية التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي مشروع مستقبل وأمل لطموح الشباب وتطلعاته، ولكنها ستبقى مجالا واسعا للحديث، وأوسع من ذلك ستبقى جدلية الممكن والمستحيل من تنفيذها قائمة أيضا، وستختلف الآراء حولها في تفاصيلها وآليات تطبيقها وإمكانات التعامل معها في كل أبعادها. سنسمع أحاديث عنها وحولها، وسيفسح المجال للتنظير والمداولات والثناء. وسنسمع استشكالات وتحفظات على ما جاء فيها، وما يستطيع التنفيذيون إعماله من بنودها، وما لا يستطيعون فعله حتى ولو أرادوا، لكن ما لا يستطيع أحد الجدل حوله أو التشكيك فيه أن هناك تصميما على أن يحدث شيء مهم في مستقبل الأيام، وهناك عزم على التغيير، وإرادة قوية للعمل على خلق مستقبل أفضل للوطن وأهله، وهذا هو بيت القصيد، وأهم من ذلك شعور المسؤولين أنهم يستطيعون النجاح بما يخططون له ويحاولونه. والثقة التي بدت واضحة فيما طرحه سمو الأمير محمد ولي ولي العهد تؤكد التصميم على أنهم يسيرون في طريق أعدوا لها ما يستطيعون من أسباب النجاح من حيث الدراسات والاستشارات وتقييم كل ما يمكن أن يعترض طريقهم إلى ما يحقق أهدافهم، ولكن ذلك لا يكفي.

هذا الجانب النظري في هذه العملية الكبيرة التي ينتظرها أبناء الوطن ويتطلع إليها جيل من الشباب يجدونها تعدهم بالأمل والمستقبل، ولكن الذي بقي هو المهم وهو ما يجب أن يناقش في نقاط مركزة قد تساعد المسؤولين على جلاء الصورة أمامهم أكثر من مقالات الدفع والتشجيع التي احتلت مساحات واسعة من الوسائل الإعلامية منذ الإعلان عن الرؤية، وهي عادة غير حميدة عرفناها من وسائل الإعلام ومن كتابها حين تطرح الحكومة مشروعا ما تهب الصحافة وكتابها للحديث عنه والتسويغ له ويأخذونه على أنه مسلمة لا تناقش، ومع الضجيج العالي يغيب الرأي الآخر والرؤية الناقدة المتأنية التي قد يكون فيها ما ينبه لنقص يمكن تداركه، أو رأي محايد يمكن الأخذ به، أو حتى تجربة سابقة يمكن القياس عليها والاعتبار بها:

1. نحن بحاجة إلى مثل هذه الرؤية، ويجب أن يعمل الجميع يدا واحدة على تحقيقها أو تحقيق ما يمكن تحقيقه منها، ولا نختلف حول أهمية هذا التوجه لا سيما في ظروف قاسية يمر بها العالم ويمر بها الاقتصاد المحلي والعالمي، ولا مكان للتوقف عن التفكير في المستقبل وفي كل ما يمكن عمله من أجل تغيير الحاضر إلى ما هو أفضل منه بأي وسيلة ممكنة.

2. بالنظر إلى نسبية نجاح المحاولات السابقة التي مررنا بها رغم القدرات الاقتصادية والإمكانات الإدارية والخبرات التراكمية والتجارب السابقة وما نتحدث عنه في كل خطة خمسية مضت منذ الخطة الأولى قبل أربعين عاما إلى اليوم، نستطيع أن نطرح كثيرا من النقاط للمناقشة ولو من باب الاحتراز ولفت النظر لتوفير أسباب قوية لنجاح الرؤية الجديدة، أو نجاح الجزء المهم منها حتى لا تكون مثلما سبق من محاولات لم تحقق ما وعدت به، بل أصبح بعضها عبئا ثقيلا على مستقبل البلاد والاقتصاد رغم ما كانت تعد به قبل بدئها.

3. لا شك أنه لم يغب عن الذين أعدوا هذه الخطة - وعملوا عليها أكثر من عام - أنه لا يمكن أن تطبق وتنجح ما لم يكن لنجاحها وتطبيقها شرط أساسي هو تحديث كل الأنظمة المعمول بها وتغيير هيكلي في البنية الأساسية للحكومة، وكل هياكلها التي سيوكل إليها العمل والإنجاز، وأهمها اختيار القدرات التي ستحقق الرؤية المستقبلية بكل شروطها لكي تضمن إمكانات النجاح أو نسبيته على الأقل.

4. ركزت الرؤية بشكل أساسي على الجانب الاقتصادي، وهو جانب يستحق التركيز، ولكن ما لا يقل عنه أهمية هو الإنسان محور كل تطور وتغيير يطلب له النجاح، وهنا بيت القصيد. كيف يكون دور المجتمع، وكيف تكون رؤيته للخطة بكل أبعادها التي لا شك أنه سيكون الفاعل الأقوى في نجاحها إن استطاع التفاعل المطلوب والتلاؤم الممكن معها، وهذا ما لم تقف عنده الرؤية طويلا، وهو أهم مما دققت فيه وفصلت.

5. لن ينهض بالمشروع المستقبلي الضخم إلا حين يدعى للمشاركة فيه كفاءات وطنية من كل التخصصات ومن كل الاتجاهات ومن كل القدرات الفاعلة مهما كانت ويبحث عنها ويعتمد عليها، كفاءات لا تتوسل بمعرفة سالفة ولا صلة شخصية ولا قرابة من أي نوع كان، ولكن تتوسل بقدراتها وإمكاناتها التي تضعها في خدمة الوطن وأهدافه، وحتى اليوم لم يحدث شيء مما سبق.

تلك بعض ما تحتاجه الرؤية، ولعل وعسى أن يكتب لها النجاح ويصاحبها الفلاح.

[email protected]