شاهر النهاري

دمعة الملك بنظرة إنسانية

السبت - 06 فبراير 2016

Sat - 06 Feb 2016

في حفل افتتاح خادم الحرمين الشريفين لمهرجان الجنادرية 30، وأثناء إلقاء قصيدة حماسية من الشاعر الضابط مشعل بن محماس الحارثي، أمال خادم الحرمين رأسه قليلا، ومسح بكفيه وجهه، وعينيه بكل عفوية وثقة.

وكانت ردود الأفعال حيال ذلك الفعل عظيمة، على قدر صاحبها، وعلى قدر ندرة وعظمة ما حدث، فقد هاجت مواقع التواصل الاجتماعي، والتهبت هاشتاقات التويتر، بما يشبه البلبلة، وكثرت التخرصات، وكل يدلي بأسباب ذلك، من وجهة نظره الخاصة.

الإعلام السعودي بدوره قام بشطب اللقطة بالكامل في مونتاج الإعادة، بحيث استعيض عنها بمناظر من سباق الهجن!.

وكالات الإعلام العالمية تناقلت الخبر بسطحية ومن زاوية رؤيتهم، نظرا لعدم وجود بيان سعودي رسمي عن ذلك.

ومن وجهة نظري الخاصة، أن مجرد حدوث البكاء يدل على إنسانية هذا الملك، والذي يقف اليوم في مواقف عظيمة نعرفها، ومواقف أخرى قد نجهلها، ومن حقه كإنسان أن يكون صادقا مع نفسه ومع شعبه أولا وأخيرا، وألا يخفي عنا دمعة فرح، أو حزن.

العمر المديد، الذي عاشه، والذكريات الطويلة المتنوعة بما مر بها من أحداث سعيدة، وإنجازات ومن هموم، وتحديات، من حقه أن يتوقف عندها لحظة، ويذرف دمعة.

ذكرياته في احتفالات الجنادرية، التي لم يغب عنها يوما، وكان محاطا خلالها بإخوته من الملوك، والأمراء، ومن أبنائه الراحلين رحمهم الله، ألا تستحق ذكراهم من عينه دمعة، خصوصا وأنه كان يمثل المحرك الأساس بينهم في كل تلك الصور.

هموم بلاده، والتي تكاد أن تكمل سنة من حرب عظيمة في حدها الجنوبي، وذكرى شهداء قدموا أنفسهم افتداء للوطن، ألا يستحق ذلك دمعة.

حرب الوطن على الإرهاب، والذي راح، ويروح خلال مغباته الكثير من الأنفس البريئة، سواء من رجال أمننا البواسل، أو من أبناء لحمة هذا الوطن العزيز، فكيف تستكثر على ذلك دمعة.

هموم السياسة الدولية، وأدوار المملكة المتعاظمة، في كل المجالات الخيرية والسياسية العالمية، والإسلامية، والعربية والخليجية، ودخولها في تحالفات صديقة، ووقفاتها أمام الأعداء بكل بسالة، ومصداقية، وانتصاراتها المتتالية في المحافل الدولية، رغم ما يصاحب ذلك من معضلات اقتصادية، يتم علاجها بمعطيات تحول وطن؛ فلا عجب لرأس يجول فيه كل ذلك، أن يذرف دمعة.

مجرد فكرة أن يكون هذا الملك في موقع احتفال يعشقه، كاحتفال الجنادرية، ولكونه ينعم بالحب بين هذه الحشود من المواطنين حوله يؤيدونه، ويزاولون معه الأنشطة الوطنية بافتخار، وأن الرخاء مستتب في سائر أرض الحرمين، التي هو خادم لها، يجعله يحمد الله، ويشكر فضله بدمعة على استمرار شموخ المملكة، وتفردها بأمن وأمان يشعر به كل مواطن محب لها.

الدموع حتى ولو كانت من ملك، فهي تظل إنسانية، وتظل مصدر قوة لا ضعف، ففيها تقول العين الكثير، ومنها نفهم أكثر عن مشاعر الدمعة، مما لا تبوح به الكلمات.

حقيقة لست مع حذف المشهد في المونتاج، ولو كان الأمر بيدي لطلبت رأي صاحب الدمعة فيما حدث، فلعلنا نسمع ما قد يخفى علينا، ونلمس نبض مشاعره بما يزيدنا قربا منه، وحبا به، ويجعل أعداءنا يعرفون يقينا، أننا إنسان وطن واحد، نتساوى في الشموخ والدمعة.