هبة قاضي

تعالي أوصلك

الجمعة - 05 فبراير 2016

Fri - 05 Feb 2016

كنا في إحدى المناسبات الرسمية التي حالما انتهت اتجهت السيدات نحو سياراتهن مغادرات. جلست عند مدخل القاعة في انتظار سائقي ليجلب السيارة للمدخل، وفجأة جلست بجانبي إحدى الحاضرات اللاتي أعرفهن معرفة سطحية وأنا أسمعها تجادل في الهاتف بخصوص المواصلات، وحين انتهت ابتسمت لي في توتر وهي تخبرني بأن سائقها سيتأخر وكم هي محرجة من أن يغادر الجميع وتبقى لوحدها. ابتسمت لها وطمأنتها بأنني سأنتظر معها. وبعد انتظارنا لفترة طويلة عرضت عليها أن أوصلها، ورغم إحراجها واعتراضها بأن بيتها ليس على طريقي إلا أنها رضخت أخيرا.

وحين أوصلتها لبيتها التفتت إلي بوجه مليء بالإحراج والامتنان وقالت (لا أعرف كيف أشكرك)، ابتسمت لها ببساطة وأنا أقول (عزيزتي نحن النساء يجب أن نساند ونساعد بعضنا، ففي ظل ظروفنا الصعبة من المحتمل جدا في المرة القادمة أن أواجه نفس مشكلة المواصلات وسأحتاج أحدا مثلك ليوصلني).

سكينة يعقوبي امرأة ولدت في أفغانستان وتلقت فيها تعليمها قبل أن تسافر بعد المدرسة لدراسة الطب في أمريكا. وهي هناك قامت روسيا بغزو أفغانستان لتغرق البلاد في مآسي الحرب وويلاتها. وحينها قررت سكينة ترك حياتها المريحة كأستاذة جامعية وطبيبة في أمريكا والعودة في الوقت الذي كان الناس فيه يهربون. صدمت سكينة حال وصولها إلى الحدود بعدد مخيمات اللاجئين التي تكاد تغص بسبعة ملايين شخص، 90% منهم من النساء والأرامل والأطفال والأيتام. رغم المأساة علمت سكينة أن المخرج الوحيد هو تأهيل النساء وتعليم الأطفال. فبدأت بتحويل كل من استطاعت إلى مدرسات وبعدها مباشرة فتح المدارس في المخيمات الواحدة تلو الأخرى حتى استطاعت في العام الأول تأهيل 150 معلمة وتعليم 15 ألف طفل. لذا حين اندفع جنود طالبان إلى مكتبها ذات يوم بنية قتلها بسبب تعليمها النساء، وقفت سكينة أمامهن بكل شجاعة وقالت ببراءة من خلف نقابها الأفغاني (مدرسة! أي مدرسة؟ نحن مجرد دار لتحفيظ النساء القرآن ليصبحن زوجات أفضل وأكثر طاعة لأزواجهن) منقذة بذكائها نفسها وكادرها ومستقبل تعليم النساء والأطفال في أفغانستان.

كلما سمعت عبارة (المرأة عدوة المرأة) أظهر الرفض وأسرع بنفي ذلك المعتقد نفيا تاما، فآخر ما نحتاج إليه الآن هو أن نصدق ذلك بينما نحن في أمس الحاجة للوقوف بجانب بعضنا ومساندة بعضنا من أصغر الأمور إلى أكبرها، في ظل مجتمعات ما زالت تشريعات الحقوق والقوانين فيها تخضع لسلطة العادات والمعتقدات.

فشكرا لكل مديرة مدرسة سمحت لأم حرمها طليقها من رؤية بناتها برؤيتهن، وشكرا لكل ممكنة أو موجهة ساعدت فتاة أو امرأة على أن تعز نفسها وعلمتها كيف تحسن حياتها، وتكسب رزقها. وشكرا لكل معلمة أدركت حجم الأمانة التي بين يديها في إعطاء العلم مطعما بالوعي في تلك العقول اليانعة. والأهم شكرا لتلك الأم التي كانت خير مثال لبناتها وزرعت فيهن أن الحب والكرامة هما ما يحافظ في المرأة على الإنسان.

[email protected]