آلاء لبني

انكماش وتضخم اقتصادي

الاحد - 15 يناير 2017

Sun - 15 Jan 2017

يكثر الحديث في وسائل التواصل الاجتماعي عن استغناء بعض الشركات عن أعداد كبيرة من الموظفين وتظلمهم. البعض يشتم هذه الشركات ويعدها عدوة الوطنية. الحقيقة المرة أن القطاع الخاص يستمد قوته من القطاع الحكومي وإنفاقه ومشاريعه، والسياسة التقشفية ورفع الدعم الجزئي في العام الماضي انعكسا على القطاع الخاص وأثرا بشكل كبير على مستوى أرباح الشركات ومستوى الدخل، مما شكل عبئا كبيرا عليها. الحل الطبيعي الذي ستنتهجه الشركات والمؤسسات تقليل المصروفات والتكاليف لضمان استمراريتها. الموظفون لا يعملون بجمعية خيرية بل في شركات تحسب ميزانيتها بشكل دقيق.

حقيقة النظرة العامة لبعض الأرقام المجردة قاصرة، كنظرة بعض الاقتصاديين لنسب النمو الاقتصادي للعام السابق ونسب الإيرادات غير النفطية.



الإحصاءات والأرقام والمتوسطات الحسابية العامة لا تعطي دلالة حقيقية كاملة وشفافة عن المناخ العام الاقتصادي، المفروض الاعتماد على المنحنيات التكرارية وتفسيرها الذي سيرسم صورة أكثر واقعية.



تهدف رؤية 2030 الاقتصادية إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص عن طريق الخصخصة، كأحد أوجه التحرر الاقتصادي بفتح عدد من القطاعات الجديدة للاستثمار، خاصة القطاعات الخدمية التي تشكل عبئا على ميزانية الدولة.



ولكن المنشآت الصغيرة خصوصا والقطاع الخاص بشكل عام يعانيان من عدد من المشاكل وسيعانيان في الأعوام المقبلة بشكل أكبر، ويتوقع ازدياد الضغوط المحلية نتيجة تعديلات أسعار الوقود وغيرها من القرارات الجديدة التي أعلنت مع ميزانية المملكة، كبرنامج فرض الرسوم على الوافدين ومرافقيهم بهدف تنويع مصادر الدخل ودعم القطاعات الاقتصادية التي يتواجد فيها أعداد قليلة من العمالة السعودية مقارنة بأعداد العمالة الوافدة.



زيادة التكلفة المضافة من الرسوم الشهرية على العمالة والمرافقين على القطاع الخاص ستؤدي إلى زيادة التضخم. ومثال ذلك: ستبلغ قيمة الرسوم على العمالة الأقل من العمالة السعودية 300 ريال في 2018، و500 ريال في 2019، و700 ريال في 2020، وتبلغ القوى العاملة غير السعودية تقريبا سبعة ملايين ونصف المليون في 2016 بناء على موقع الهيئة العامة للإحصاء، لو افترضنا أن جميع العمالة الموجودة أقل من العمالة السعودية فستكون قيمة الرسوم 300 ريال شهريا لكل عامل في 2018، مما يعني أن التكلفة التي سيتحملها القطاع الخاص نحو ملياري ريال شهريا. طبعا هذا المبلغ سيزداد تصاعديا خلال الأعوام التالية.



هل من المتوقع أن هذه المبالغ الضخمة والتكلفة المضافة لن تؤدي إلى تضخم؟



بعض الاقتصاديين يرون في هذه الإجراءات فرصة رائعة للسعودة ورفع نسب التوظيف، بالتأكيد هذا الأمر صحيح في بعض الشركات والأعمال سيكون السعودي هو البديل الطبيعي لها، ولكن ماذا عن كم الأعمال التي يرفض السعوديون العمل فيها أصلا؟ وماذا عن الأعمال التي لا يتقنها السعوديون؟ وماذا عن الأجور الزهيدة للعمالة الفنية والصناعية؟



البعض يرى من الإنصاف سعودة الوظائف العليا، ولكن هل يعقل أن تستغني الشركات عن خبرائها وكبار مختصيها، لتعين أشخاصا لم ينالوا القسط الكافي من التدريب والخبرة، ومن جانب آخر هل يستطيع المبتدئ تحمل ضغط العمل وكثرة الالتزامات والمطالبات بالإنتاجية العالية، دون أن نغفل عن حقيقة محدودية الوظائف الإدارية مقارنة بالوظائف التشغيلية والخدمية والتشييد والبناء.. الخ.

نسبة التضخم تعد الأعلى منذ 3 سنوات وهي 4.3% تقريبا في 2016، وستزداد مع ارتفاع أسعار الطاقة وسياسة رفع الدعم جزئيا عن بعض المواد، ومن التوقعات ارتفاع التكاليف المعيشية، مما سيؤدي إلى ضعف القوة الشرائية، مما سيؤثر على الإنتاج بشكل عام وعلى القطاع الخاص.



تنويع مصادر الدخل وتنوع الاقتصاد لا يقتصران على زيادة الإيرادات من رفع الرسوم وبعض الاستثمارات. نحن بحاجة إلى خلق صناعات متنوعة خفيفة وسهلة مبتدئة بأسعار أرخص من المنتج العالمي حتى يقبل الأفراد عليها. حتما لن تكون بالجودة العالمية، ولكن دعمها واستمراريتها قد يخلقان مناخا يطور من مستواها وجودتها وسعرها.



تحقيق نمو القطاعات الاقتصادية المختلفة وليس انكماشها هو الضمان لزوال التضخم.