التخطي
السبت - 11 مايو 2024
Sat - 11 May 2024
بدأت الحياة بلحظة، لتنتهي بمثلها، ومن لحظة الانفجار العظيم - قبل قرابة 14 مليار سنة - إلى لحظة قراءتك هذا المقال، واللحظات تتوالى لتتبدد، وفي كل لحظة منها أحداث تتجدد، وأرواح تولد، وأخرى تفقد، والعجيب المذهل هو تنازع الأحداث والمشاعر، واجتماع التضاد والتنافر في كل لحظة من تلك اللحظات؛ ففي اللحظة التي تضحك بها، غيرك يبكي، ولحظة اليأس عند أحدهم، هي أجمل لحظة فرج عند آخر، تماما كلحظة فوزك، هي لحظة هزيمة لمنافسك.
وما أروع ابن الريب حين أدرك ذلك بقوله:
وعطل قَلوصي في الركاب فإنها
ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا
إن الحوادث بفجاءاتها وفجيعاتها ومصائبها، تحدث كذلك بلحظة، لتترك آثارا قد تبقى أبدا، فالكسر في العظم يحدث بلحظة، في حين أن الجبر منه يحتاج لأشهر، وقد يتعذر، خاصة إذا تقدم بك العمر، أو كان الكسر في الصدر، واسأل أهل الطب عن «متلازمة القلب المنكسر» وكيف تحطم المصائب قلوب أصحابها حقيقة.
ويا ليت التشافي كالمصيبة، في سرعة وقوعها، لا في بقاء أثرها، فيحدث فجأة وينتهي بلحظة، فيشفى القلب من وجعه الذي ثبت بأن العلم، والتجارب، والخبرة، ليس لأي منها دور في التعافي، فالصغير الذي لم يتعارك بعد مع حوادث الحياة أقدر من الكبير الخبير على التشافي والتخطي.
وياليت التخطي يباع فيشترى، فنحن - كما قيل - نشتري بالمال الدواء، لكنا لا نشتري به الصحة، ونشتري به المنزل الجميل ولا نشتري به العائلة، ونشتري ملذاتنا ولا نشتري به السعادة.
فإذا علمت أن «كل مر سيمر»، أيقنت أنك لا تملك رد الكسر، إذ «لا ينجي حذر من قدر»، لكن الذي يخفف وطأته؛ هو يقينك بأن «هذا الوقت سيمضي» بعزيمة التخطي لا بهروب التجاوز، فالأول وإن كان طريقا وعرا لكنك تعتلي به، في حين أن التجاوز يبقيك غارقا في وحله، إذ لا جهد فيه، والشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يحققه دون أي مجهود هو الفشل.
وكي لا نصعب الأمر، ثمة خطوات علمية؛ أولها تقول: عليك بـ»التخلية قبل التحلية» فلا يمكنك ملء كأسك بمشروبك الذي تحب، وفيه بقايا من شراب سابق، وكذلك قلبك.
ثم امض قدما، ولا تلتفت على ما فات أو تلف، فالحياة كما وصفها أينشتاين «كالدراجة، يلزمك أن تتقدم بها إلى الأمام حتى لا تفقد توازنك».
فإن فعلت فعليك بالانشغال بنجاحاتك، والفخر بذاتك، فمن جميل ما قاله الرومي:»عندما تتخطى مرحلة صعبة من حياتك، أكمل الحياة كناج وليس كضحية»، فالضحية يرتجي النجاة ممن قد يحيكون له، بينما الناجي يعود متشبثا بالحياة ولو كان لوحده.
وفر من تجارب المنظرين ونصائح المتعالمين - ممن يهرفون بما لا يعرفون - فرارك من الأسد، فهم أقصر طريق لمضاعفة الألم، - خاصة بعض متصدري برامج التقاطع الاجتماعي - فكما قيل بالمثل الأفريقي «كن حذرا عندما يعرض عليك - شخص عار - قميصا».
وتذكر بأن لحظة الفراق هي من التخطي، ولا بد أن تليق بك، وليكن آخر عهدك مشرفا لا مؤلما، فلحظة النهاية هي لحظة بداية لغيرها، فإن كانت خيرا، كان ما بعدها أخير منها.
وصحت يا فتنتي، ما تفعلين هنا؟ البرد يؤذيك، عودي.. لن أعود أنا.
-عمر أبوريشة
@nayefcom
وما أروع ابن الريب حين أدرك ذلك بقوله:
وعطل قَلوصي في الركاب فإنها
ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا
إن الحوادث بفجاءاتها وفجيعاتها ومصائبها، تحدث كذلك بلحظة، لتترك آثارا قد تبقى أبدا، فالكسر في العظم يحدث بلحظة، في حين أن الجبر منه يحتاج لأشهر، وقد يتعذر، خاصة إذا تقدم بك العمر، أو كان الكسر في الصدر، واسأل أهل الطب عن «متلازمة القلب المنكسر» وكيف تحطم المصائب قلوب أصحابها حقيقة.
ويا ليت التشافي كالمصيبة، في سرعة وقوعها، لا في بقاء أثرها، فيحدث فجأة وينتهي بلحظة، فيشفى القلب من وجعه الذي ثبت بأن العلم، والتجارب، والخبرة، ليس لأي منها دور في التعافي، فالصغير الذي لم يتعارك بعد مع حوادث الحياة أقدر من الكبير الخبير على التشافي والتخطي.
وياليت التخطي يباع فيشترى، فنحن - كما قيل - نشتري بالمال الدواء، لكنا لا نشتري به الصحة، ونشتري به المنزل الجميل ولا نشتري به العائلة، ونشتري ملذاتنا ولا نشتري به السعادة.
فإذا علمت أن «كل مر سيمر»، أيقنت أنك لا تملك رد الكسر، إذ «لا ينجي حذر من قدر»، لكن الذي يخفف وطأته؛ هو يقينك بأن «هذا الوقت سيمضي» بعزيمة التخطي لا بهروب التجاوز، فالأول وإن كان طريقا وعرا لكنك تعتلي به، في حين أن التجاوز يبقيك غارقا في وحله، إذ لا جهد فيه، والشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يحققه دون أي مجهود هو الفشل.
وكي لا نصعب الأمر، ثمة خطوات علمية؛ أولها تقول: عليك بـ»التخلية قبل التحلية» فلا يمكنك ملء كأسك بمشروبك الذي تحب، وفيه بقايا من شراب سابق، وكذلك قلبك.
ثم امض قدما، ولا تلتفت على ما فات أو تلف، فالحياة كما وصفها أينشتاين «كالدراجة، يلزمك أن تتقدم بها إلى الأمام حتى لا تفقد توازنك».
فإن فعلت فعليك بالانشغال بنجاحاتك، والفخر بذاتك، فمن جميل ما قاله الرومي:»عندما تتخطى مرحلة صعبة من حياتك، أكمل الحياة كناج وليس كضحية»، فالضحية يرتجي النجاة ممن قد يحيكون له، بينما الناجي يعود متشبثا بالحياة ولو كان لوحده.
وفر من تجارب المنظرين ونصائح المتعالمين - ممن يهرفون بما لا يعرفون - فرارك من الأسد، فهم أقصر طريق لمضاعفة الألم، - خاصة بعض متصدري برامج التقاطع الاجتماعي - فكما قيل بالمثل الأفريقي «كن حذرا عندما يعرض عليك - شخص عار - قميصا».
وتذكر بأن لحظة الفراق هي من التخطي، ولا بد أن تليق بك، وليكن آخر عهدك مشرفا لا مؤلما، فلحظة النهاية هي لحظة بداية لغيرها، فإن كانت خيرا، كان ما بعدها أخير منها.
وصحت يا فتنتي، ما تفعلين هنا؟ البرد يؤذيك، عودي.. لن أعود أنا.
-عمر أبوريشة
@nayefcom