خالد العويجان

الثعابين النائمة في رفح

الاحد - 12 مايو 2024

Sun - 12 May 2024

فوهات المدافع تحولت إلى موقع آخر. نصف سنة وأكثر من 36 ألف قتيل، وما يزيد على 70 ألف جريح، خلفتهم حرب جائرة، ربما تكون هي الأكثر دمارا بين الجبهة الفلسطينية؛ والنافذة الإسرائيلية السامة. والخاسرون منها كثر.

من تل أبيب إلى غزة، مرورا بضاحية بيروت الجنوبية، وحتى طهران. لا رابح هناك؛ بل الجميع سيخسر لا محالة.

قطاع غزة لم يعد كما كان عليه، لقد اختلف بالشكل والمضمون.

حتى الرفاق ممن تزعموا المساحة الصغيرة، لم يعد لهم ذكر على نطاق المكان الضيق.

رحلوا بحثا عن حلول؛ في عواصم يخال للكثير أنها تملك الحل، لكنها في حقيقة الأمر مشغولة؛ وفي رواية «تتشاغل»، وهذا حكم القوي على الضعيف.

إنما مشغولة بماذا؟ لا أعلم. وقد أكون أعلم؛ لكن في فمي ماء. –أقصد عواصم التفاوض التي وضعت في ميزان الحلول– مع كامل الاحترامات.

وحتى مجلس الأمن، ومن يملكون استخدام ورفع ورقة حق الفيتو، يبدو أنهم غارقون، في أحلام الكبار.

ماهي أحلامهم؟ تحقيق المصالح الوقتية، التي باتت تحكم السيطرة على معادلة العلاقات الدولية. يضاف إلى ذلك بعض من المكر، وكثير من النذالة.

والقضية تعتمد على قواعد اللعبة العالمية. كيف؟ في تصوري أن الصمت المطبق الذي عاشته دول حق «الفيتو»، في مقابل استصدار أمر بوقف إطلاق النار من مجلس الأمن، له أسبابه الخاصة، التي تعتمد على مساندة طرف مقابل محاولة صرف النظر عن آخر، في حرب غير عادلة، وهذا ينجلي عنه الغبار في وضح النهار.

قد يقول قائل، إن مجلس الأمن تكتل غير فعال في شكله ومضمونه. هذا صحيح. وقد يرى آخر بأن تلك الأصوات لم تحقق تقدما في عديد الملفات، كالملف الليبي، واليمني، والسوري.

وهذا أيضا منطقي. ومن المفترض عدم انتظار نتائج عن ذلك التكتل في صالح تلك القضايا والملفات.

يمكنني القول بلا شك أن الجسم السياسي العالمي غير خاضع لمعايير السياسة والقانون الدولي، إنما لمنطقين؛ الأول: المصالح التي تفرضها الدول ذات النفوذ الأكبر حول تلك الطاولة.

الثاني: منطق القوة غير القابل للتنفيذ إلا وفق معايير شريعة الغاب.

وإلا ما المبرر الذي يمنع على الأقل؛ التلويح لمجرد التلويح وتعليق الجرس بوجه إسرائيل، من خلال استصدار قرار لوقف إطلاق النار في تلك الحرب، التي أحرقت الحرث والنسل، وقتلت وهجرت ما الله به عليم بصورة وحشية.

وحتى تحذيرات منسق اتصالات مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، إن واشنطن ستوقف إرسال «أنواع معينة» من الأسلحة إلى إسرائيل، إذا نفذت قواتها عملية برية واسعة في رفح، لا يمكن أخذه على محمل الجد باعتباره محاولة لذر الرماد في عيون العالم الرافض لاستمرار الحرب.

وذلك ينطبق أيضا على تحذير الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام. ومن ثم فإن هذا التصريح بما فيه من لؤم، يكمن في التفاصيل الدقيقة، يصعب التعامل معه بحسن نية.

لماذا؟ لأنه عبارة عن تلاعب بالمفردات، وهذا يترجم في تحديد «أنواع معينة» من الأسلحة؛ ما يعني أن إرسال أخرى أمر متاح ولا بأس به.

أتصور أن مرحلة الحرب ما قبل الدخول لرفح من قبل القوات الإسرائيلية، لن تكون كما بعدها، وهذا يعود لعدة أسباب؛ أبرزها أن تلك العملية ستكون بمثابة فضيحة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الصعيد المحلي بالدرجة الأولى، والعالم بالثانية. كيف؟ لأن تلك عبارة عن آخر الأوراق التي يمكن اللعب بها من قبل حكومة نتنياهو، كونه استخدم جميع ما يملك في بنك أهدافه ولم يحقق حسب ما يقول «القضاء على حماس».

هذا أولا. ثانيا: سيكون العبث في رفح جرأة غير محسوبة واقتراب من خطوط حمراء، وأعني بذلك معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية؛ إذ تشير بعض التفسيرات أن ذلك يشكل انتهاكا صارخا للمعاهدة.

أعتقد أن التمادي في عملية رفح سيؤكد بما لا يدع للشك مجالا بأن الغباء الاستراتيجي الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية أمر واقع، وليس تكهنات تطلقها الأنظمة المعادية لهذا الكيان المعتوه. وستخسر تل أبيب وواشنطن عامل الثقة في المقابل، وهذا ما يدركه البيت الأبيض، بدليل المناكفات التي شهدتها الساحة بين العاصمتين فيما مضى من وقت، والتي تمحورت بكليتها حول الحرب الدائرة على غزة منذ أشهر؛ وذلك بالمناسبة، ليس عطفا قائما على العدالة الأمريكية، إنما تأكيدا عن ثقة واشنطن أنها وقعت في شراك تل أبيب، وسئمت استمرار تحمل مسؤولية عبثياتها الأخلاقية.

إن محاولات حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي في وضع رفح كملف لخلط الأوراق؛ والهروب للأمام، محاولة فاشلة ومكشوفة، وستكون وبالا على حكومته، التي تضع الحروب ضمن أكبر رافعاتها الانتخابية على الصعيد الداخلي، وأهم قواعدها التسويقية الدراماتيكية منذ الأزل وليس منذ الأمس واليوم.

بقي القول بأن وضع البيض في سلة واحدة أمر جائر. والقصد هنا، أنه لا يمكن أن تكون واشنطن بمعزل عن كل ما يحدث.

لذا؛ سيجد نتنياهو وبايدن نفسيهما في رفح، بين جحور الثعابين النائمة. لا بأس من القيلوية بجانبها. نوم العوافي.