عبدالعزيز الخضر

تارك الصلاة.. بين واعظ ومثقف

السبت - 31 ديسمبر 2016

Sat - 31 Dec 2016

كان يمكن أن تمر نصيحة واعظ عن الصلاة في برنامج عبر قناة «بداية» مثل غيرها من المواعظ التي تتضمن أسلوبا غير موفق، وأحيانا صادما ومربكا لوعي المشاهد، لكن مع انتشار جاذبية تصيد المقاطع لهذا النوع من الخطاب الوعظي، فقد زادت شهية البحث عن الغرائب، منذ إتاحة تطبيق تويتر عرض مقاطع الفيديو لثوان أو دقائق معدودة، مما يسهل انتشارها مع كثرة إعادة التغريد، لصنع ضجة موقتة.



كان واعظ قناة «بداية» يستطيع أن يحذر من ترك الصلاة بعرض الفتاوى الشهيرة من مرجعيات دينية رسمية ترجح كفر تارك الصلاة، وما يترتب على هذا الكفر من أحكام، وإن كان هناك رأي فقهي آخر في عدم كفره، وليس هنا مجال عرض تفاصيل الآيات والأحاديث النبوية ورأي المذاهب، وعدم الكفر عند الرأي الآخر لا يعني أن تركها ليس من كبائر الذنوب.



الرأي الآخر ليس له حضور في الخطاب الديني المحلي، بسبب وجود آراء رموز دينية محلية مبكرا قبل مرحلة الصحوة، وهذه الفتاوى الرسمية وزعت على نطاق واسع خلال عقود.



السؤال الذي لم تستحضره ردود فعل من لا يملك خبرة بحيل بعض الوعاظ وأساليبهم في ابتكار أدوات خطاب ردع غير عرض الآيات والأحاديث النبوية نتيجة ضعف تكوينهم العلمي. فأول ما يتبادر له الذهن: لماذا استحضر هذا الواعظ هذا المثال المستقبح لشاشة يشاهدها الصغار والكبار، فقد كان عرض الفتاوى التي ترجح كفر تاركها يكفي، بدون الحاجة لعرض مقارنات كما فعل هذا الواعظ، لكنه ليدل على أهمية صلاة الفجر وخطورة تركها ضرب مقارنة مستقبحة لا تليق، فكونه يقلد الرأي الفقهي بكفره، لا يعني أنه يضرب هذا المثال حول زنا المحارم، فهل ضاقت عليه الأمثلة بحيث لم يعرض أمثلة لكبائر أخرى!؟



لماذا لم يقارن تارك الصلاة بأكل الربا أو شرب الخمر أو الزنا مثلا، فالواقع أن الواعظ يدرك أنه يوجد في العالم الإسلامي بعض من يتساهل بالمنكرات الأخرى ويرتكبها بأي مبرر، وهو يدرك أنه لو قارن الصلاة بشرب الخمر مثلا فإنه سيدعم فكرة التهاون بشربها، بل وربما يعجب البعض بطرحه.. بحجة أنه دين منفتح ومتسامح، بتركيزه على أركان الإسلام! هذا الواعظ ليدل على أهمية الصلاة ذهب إلى مثال صادم للجميع، ومستقبح حتى في ثقافات وأديان أخرى. فلجأ إليه متذاكيا باستعمال أسلوب الصدمة.



لكن المشكلة في الجانب الآخر، أن ردة الفعل عند كثيرين أخذت ترسخ فكرة أنه يتهاون بالمنكر المقارن فيه، والواقع أن هذا فهم لا يخلو من الاستعباط بالخصومة وغير موضوعي وإنما من أجل السخرية العبثية، فخطأ الواعظ هنا لا يبرر لك الادعاء بأنه يهون من هذا المنكر، فمثلا كتب مثقف كبير تغريدة قبل أيام: «طالما أنك صليت الفجر فمارس من الرذائل ما شئت.. أي منطق هذا؟.. على افتراض أنه منطق.. ربنا لا تؤاخذنا بما فعله المتخلفون بنا..» وكتب غيره كثيرون حول مثل هذه الفكرة بتعبيرات متنوعة.



وعلق كاتب إماراتي آخر على هذا الموضوع في مقال جيد في بعض جوانبه، لكنه وقع في المشكلة ذاتها وهو ينتقد التراث الفقهي، وكأن هذا التراث يهون من الموبقات الأخرى كقتل النفس وغيرها، مع أن أي مسلم يعرف أنه حتى قتل الهرة بحبسها وعدم تركها تأكل من خشاش الأرض.



أفهم مناقشة حكم تارك الصلاة وعرض الآراء الفقهية المختلفة وحالاتها بالجحد أو التكاسل، وترجح ما تصل إليه، لكن هل يلزم القول بكفر تاركها، الزعم بأن الإسلام أو الفقهاء تاريخيا يهونون من الموبقات الثانية كقتل النفس.. غريب هذا المنطق! مع أن مشكلة وعاظ اليوم أصلا في الجانب المقابل تضخيمهم لأشياء كثيرة حتى الصغائر، ولا تدري ما هو المطلوب، طالما أن الكبائر واضحة في الإسلام، هل المطلوب تكفير مرتكبيها حتى يرتاح مثل هذا المنطق.. وكأن داخلهم تكفيري مختبئ!



إن كثيرا من الرؤى النقدية لدى بعض المثقفين تفتقد للمنهجية، وضعف واضح بالحس العلماني الذي ينطلق بعضهم منه. في أحد السنوات كنت في جلسة مع أحد كبار المثقفين العرب وله مؤلفات كثيرة، وعنده الحس النضالي مرتفع، وكان يرى جعل مواجهة إسرائيل من أركان الإسلام، وكأنه يريد وضع أركان إسلام أخرى! قلت له أصلا حضور الجهاد ضد العدو والمحتل كبير في النص الديني، ويمكن تواجه أي محتل أو إسرائيل وصناعة حضارة بدون الحاجة لتغيير أركان الإسلام، ومثله اليوم آخرون حديثو عهد بموضوعات التنمية والإنسانية وهم يريدون إقحامها في أصول الدين، وكأنه فكر وطرح مستنير.



والأكثر غرابة أن هذا يناقض مقدماتهم وتوجهاتهم ذات النزعة العلمانية المفترضة، مما يعني أننا أمام حالات تشوه علمي عميق، واضطراب بالتصورات حول مفهوم الدين والمدنية والتقدم المجتمعي ومتطلبات الحراك الحضاري.



[email protected]