هيلاري.. وديمقراطية الغوغاء

الخميس - 17 نوفمبر 2016

Thu - 17 Nov 2016

خسرت مرشحة الحزب الديمقراطي «هيلاري كلينتون» في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، وكانت خسارتها لصالح المرشح الجمهوري «دونالد ترامب»، وكما هو معروف عن الأحزاب الديمقراطية في أمريكا أنها الأكثر انفتاحا وتناغما مع الطبيعة الليبرالية، في المقابل، هناك الحزب الجمهوري الذي يميل في غالب الأحيان إلى التعصبات الدينية والتحزبات الإثنية التي لا تليق بدولة عظمى كأمريكا، البالغ عمرها في الديمقراطية قرنين من الزمان على الأقل. ودلالة ذلك ما تؤكده تصريحات المرشحة الديمقراطية «هيلاري كلينتون» عندما وصفت نفسها بأنها (العقل المحافظ والقلب الليبرالي)، وذلك بخطاب أرسلته لوزير الشباب عام 1965، عندما التحقت بكلية «ويسلي» في تخصص العلوم السياسية.



من الملاحظ أنه في مجتمعاتنا العربية هناك مفاهيم للديمقراطية مغايرة تماما عن مفاهيم المجتمع الغربي لها، وخصوصا أمريكا، بما أن عمرها الزمني في الديمقراطية عريق وعتيق، فالمرشح الأمريكي «ترامب» لم يتفوق على منافسته في الرئاسة إلا بعد صولات وجولات وخطوات إجرائية، تخللتها العقبات والصعوبات، خاصة أن نتيجة تفوقه بالأصوات كانت متقاربة نوعا ما، بل إن المرشحة الديمقراطية «كلينتون» تفوقت في التصويت الشعبي فحصلت على 47.6% من الأصوات (59.234.436)، مقابل 47.5% لترامب (59.082.155). ولكن في إجمالي 50 ولاية حقق ترامب الفوز في 29، مقابل 21 لكلينتون. ويعتمد النظام الانتخابي في جميع الولايات على مبدأ «الفائز يحصل على الكل»، أي إن الفائز في أي ولاية يحصل على كل أصواتها في المجمع الانتخابي، وبالتالي يحصل ترامب على 289 صوتا في المجمع الانتخابي مقابل 218 صوتا لمنافسته هيلاري كلينتون، ويصبح المرشح فائزا بمجرد حصوله على 270 صوتا.



هذه هي الديمقراطية فعلا، وليست كما يفهمها الغوغائيون التقليديون أن هيلاري خسرت المنافسة لأنها مجرد امرأة! ساخرين بكتاباتهم وتصريحاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأن المجتمع الأمريكي الذي يدعي المساواة لا يستطيع ترشيح امرأة، لأنها مجرد امرأة! التي تعتبر في تصورهم أنها ليست مؤهلة أصلا للرئاسة، وليست أهلا بأن تقود زمام الأمور (فقط لأنها امرأة)، ولهذا السبب في نظرهم لا يرشح الأمريكان امرأة!! مع أنه يخيب ظنهم لو سلط الضوء على شخصيات أنثوية استثنائية وفاعلة في السياسة الدولية، كرئيسة الأرجنتين «كرستينا دي كيرشنر» التي أمضت ثمانية أعوام في الحكم، غيرت إثرها ملامح بلادها على أكثر من صعيد، وأيضا الرئيسة البرازيلية «ديلما روسيف» التي منذ عام 2011 وهي على رأس القيادة في بلادها، وغيرها من الدول الأخرى التي تحكمها نساء، إذ إنه خاب ظنهم أيضا عندما تفوقت هذه المرأة التي يستحقرونها، وبلغة الأرقام في التصويت الشعبي على منافسها (الرجل)، وبما أنهم أصلا لا يعترفون بلغة المنطق والأرقام كما هو معهود عنهم ومعروف، فإن تحليل القضايا يتم عندهم بنظرة ضيقة، ونظرة ممنهجة غالبا خلف الماورائيات والتخمينات، تجدها في كثير من القضايا والأمور تعتمد الحدس «إن زبطت زبطت»، وإلا يغنى بالقول إنه (لم تزبط معنا).



المشكلة هنا ليست فقط بالغوغائيين وطريقة فهمهم للديمقراطية أو غيرها من المفاهيم سواء الدينية أو السياسية، وإنما هناك معضلة أخرى أشد خطرا، يمكن من خلالها استغلال تلك المفاهيم لتصاغ من خلالها نظريات عشوائية، يختلط فيها الحابل بالنابل، ويدس فيها السم داخل العسل، ويمتزج فيها السوي والمتطرف، للنيل من حقوق المرأة وقضاياها.