فهد الحازمي

كيف (لا) تختار تخصصك؟

السبت - 29 أكتوبر 2016

Sat - 29 Oct 2016

تحدثت في المقال الماضي عن أهمية التعلم المستمر من المهد إلى اللحد دون الاعتماد على الشهادة الجامعية. في حديثه أمام طلاب جامعة ستانفورد يحكي مؤسس شركة «أبل» والمدير التنفيذي لها آنذاك ستيف جوبز قصته مع الجامعات حيث بدأ أولا في كلية رييد وكان مشغوفا حينها بفن الخط.

لم يفلح جوبز في دراسته، لكنه لم يتوقف عن حضور المحاضرات في الخط. بعد سنين طويلة وأثناء تصميم أول نظام ماك قدمت أبل حزمة من الخطوط الجميلة للواجهات الحاسوبية، مما ساهم بجعلها في المقدمة.



أراد ستيف جوبز من حكاية هذه القصة البسيطة أن يؤكد أن «النقاط ستتصل معا» بمعنى أن الخبرات التي تصادفها وتتعلمها في مسارك التعليمي ستفيدك يوما ما في المستقبل وتعطيك ميزة تنافسية قوية. الشرط الوحيد هو أن تتعلم ما تحبه وإن كان بعيدا عن مجالك الأساسي. هذا الاستعداد المبكر سيجعلك دائما في المقدمة حين تحين الفرص الخاطفة أو الصدف التي – فجأة - تغير مسار حياتك الوظيفية! التخطيط لحصول هذه الفرص يعد من باب العبث، لأن العالم لا يدور دوما بالطريقة التي نريد. لكن الاستعداد الكافي يجعلك دائما على أهبة الاستعداد لاقتناص الفرص المناسبة.



هذه الفلسفة الحياتية في التعلم تندرج تحت مفهوم أشمل وهي عقلية النمو. عقلية النمو ترى النجاح في شتى مناحي الحياة مرتبطا بمدى الاستثمار سواء كان وقتا أو جهدا في هذا الشيء. الذكاء مثلا - حسب هذا المفهوم - ليس صفة شخصية ثابتة، بل صفة تنمو بمقدار استثمار الشخص في تنمية ذكائه عبر خوض التحديات والتعلم من الأخطاء، وترى الفرص في كل شيء دائما. الأهم أن التعلم المستمر عملية أساسية ومحورية في عقلية النمو، وهذا ما يجعلها مفتوحة دوما على الفرص والاحتمالات المختلفة.



أذكر في الزمن الجميل الغابر كنا نعيش موجة «التخطيط الشخصي»، وهي تطبيق مبادئ التخطيط والاستراتيجيات التي تستخدمها المنظمات على الأفراد، فشاعت الدورات التدريبية على غرار كتابة الرسالة والرؤية في الحياة وكيف تخطط لحياتك لعشر سنوات ولعشرين سنة ولخمسين سنة. أحدهم غفر الله له كان يدعو الناس للتخطيط لـ 500 سنة قادمة. هذه الدورات وإن احتوت على الكثير مما لا يضر الإنسان معرفته إلا أنها تقلل بشكل كبير من جهلنا بالمستقبل واحتمالاته المفتوحة مما يكبل وبشكل كبير عملية التعلم المستمر واستغلال الفرص.



على صعيد آخر، العديد يتحدث اليوم حول كيفية اختيار التخصص وفي العادة تكون هذه الدورات موجهة لطلاب الثانوية أو طلاب السنة الأولى في الجامعة. وعلى الرغم من أن الكثير من النصائح والإرشادات في هذه الدورات مفيدة ويتمنى الكثير لو حصل عليها، إلا أنها قد لا تعير الاهتمام الكافي لمسألة عدم مواءمة تخصصات الجامعات لسوق العمل.

في استطلاع أجراه أحد المواقع المتخصصة في البحث عن عمل وجد أن 32% من العينة لم يعملوا أبدا في مجالات ذات علاقة بتخصصاتهم الجامعية. في دراسة أخرى أجراه بنك الاحتياطيات الفدرالي في نيويورك مبنية على بيانات المسح الوطني الشامل وجد أن حوالي 72% من العاملين يعملون في مجالات ليست مرتبطة مباشرة بتخصصاتهم الجامعية!

نشر موقع التوظيف المشهور لنكدإن دراسة مبنية على بيانات الموقع تشير إلى تزايد معدل تغيير الوظيفة (وتغيير المجال عموما) بعد خمس إلى عشر سنوات بعد التخرج. هذه الحقائق حتما تقلل من «الشغف اللحظي» الذي يشعر به الشخص نحو تخصص ما كما تشير إلى مستقبل قريب تصبح فيه المهارات – بما فيها التعلم المستمر- أهم ألف مرة من الشهادة.



في استطلاع أجراه موقع Career Builder وجد أن:

31 % من العاملين بعمر 35 سنة أو أكبر لم يعملوا أبدا في تخصصاتهم

47 % من خريجي الجامعات حديثا قالوا إن وظيفتهم الأولى لا علاقة لها بتخصصاتهم

64 % من العاملين سعداء بتخصصاتهم التي درسوها