إبراهيم جلال فضلون

عيدا الفطر والأضحى.. عدالة

الاثنين - 12 سبتمبر 2016

Mon - 12 Sep 2016

للعيد ألوان عدة، كلها يجمعها شعور الفرحة والحبور، غير أن هناك لونا واحدا قاتما لا يعرفه إلا ذوو أفئدة كسيرة بالآلام، فأين نحن منهم في عيدينا؟! وقد أنعم الله علينا بنعمة الإسلام، وأصبحنا أمة ذات كيان ونظام ومنهاج يحوي بين دفتيه أمور الدنيا وحياة الآخرة، ولا انفصام فيها للشعائر التعبدية عن المشاعر القلبية.



فالأعياد إما أن تكون أعيادا للدين، سواء في أمتنا التي تدين دين الحق، أو الأمم التي تدين أديان الباطل، وأعيادا وطنية لها ذكريات جسام أو أثر محمود في حياة الأمة، أو معاركها، أو أيام خلدت ذكراها.. كأعياد الاستقلال، والنصر، فلكل أمة من ذلك أيام غر مشهرات.



أما أعياد الفن فيحتشد لها الناس، ويتبارى فيها أرباب اللسن والفصاحة وأصحاب القوة والبراعة كسوق عكاظ عند العرب. ثم أعياد الرياضة كالأولمبياد عند اليونان، وأعياد الطبيعة، كالربيع عند الغرب، ربما فرشوا الشارع كله ببساط مزخرف منقوش كيوم النيروز أيام بني العباس، وعيد شم النسيم المصري، وهناك أعياد اللهو واللعب، كأيام (الكرنفال). ومنهم من يمزجون هذه الأعياد كلها، مزيجا عجيبا، فيبدأ عيد مولد المسيح عليه السلام من الكنيسة، وينتهي في الملهى.



هذه هي أعياد الناس، فما هو مكان عيدنا من هذه الأعياد؟

إن لنا في الإسلام عيدين لا ثالث لهما، متعنا الله بذكراهما هدى ومجدا، «عيد الفطر، وعيد الأضحى»، فأعيادنا لله أولا، ثم للوطن، (ووطن المسلم كل أرض تعلو فيها كلمة الله وتحكم شريعته)، وهي ذكرى أعظم رجل مست قدمه ظهر هذه الكرة: محمد صلى الله عليه وسلم، ليعلم الأغنياء بذا الجوع الاختياري، عبر شهر رمضان، الذي ساوى فيه الغني الذي يملك الملايين يشتهي كسرة الخبز وقطرة الماء، كما يشتهيها الفقير المسكين، ثم أهدانا الله عدالة ثانية، حين جعل من له من كنوز الأموال يقف مع السائل، يلبس لباسا مثل لباسه، ويقف من عرفة موقفا مثل موقفه، وينام على أرض المزدلفة بجواره، ويرمي الجمار في منى وسط الزحمة مثل رميه، فلا امتياز لجنس على جنس، ولا لون على لون، ولا أسرة على أسرة، كما يمتاز الناس في أمريكا في القرن العشرين، وفي جنوب أفريقيا، ويتفاضلون بالمزايا الشخصية «الإيمان والعلم والتقى والأخلاق».

لقد قرر ذلك نبينا في خطبته التاريخية الخالدة، في حجة الوداع، قبل أن تعلنه إنجلترا، وقبل الثورة الفرنسية، وقبل مبادئ ويلسون، وقبل ميثاق الأطلنطي الذي كتبوه على الماء - بأكثر من ألف سنة!



أيها القراء: إذا فرحت أخاك بعطيتك، فرحك الله بعطية من عنده.



فاختاروا - أيها القراء- واهدوا جيرانكم وأولادهم بما تجود به أيديكم وقلوبكم، ولا تنسوا أبناء جنودنا على الحدود وبيوتهم، بل لا تنسوا أسر شهدائنا، فلندخل الفرحة على بيوت الجميع، فحينما تخرجون من بيوتكم تجدون ما أهديتم كسوة لامست أجسادا بريئة، وبسمة ملأت وجوها حزينة، وبطونا كدرها الجوع والعطش، وهم ينظرون إليكم بعين من الشكر والحب.. تعلوها نفحات تشرق بالسعادة والفرح، وتسمعون دعواتهم لكم بطول العمر، ولأولادكم كمال النعم، حينئذ تعلمون أن أعظم لذة في الدنيا هي لذة الإحسان.