وليد الزامل

محطات مترو الرياض.. المكان والعلاقة بالسياق

السبت - 29 نوفمبر 2025

Sat - 29 Nov 2025



تمثل محطات المترو في المدن الكبرى أحد أهم المكونات الحضرية الداعمة للتحول نحو النقل العام المستدام، وترشيد الإنفاق، والحد من الاعتماد على المركبات الخاصة، وتقليل الانبعاثات الضارة، والازدحام المروري. غير أن نجاح هذه المحطات لا يقاس بجودة تصميمها أو بكفاءتها التشغيلية فحسب؛ بل بمدى قدرتها على الاندماج مع محيطها الحضري، وتلبية مقصد الرحلة، وتحقيق التكامل مع استعمالات الأراضي المجاورة. وهكذا فإن التموضع المكاني للمحطات بالقرب من الأماكن الحيوية أو مراكز الأعمال أو تلك التي يقصدها السكان بشكل يومي أمر في غاية الأهمية. كما أن علاقة هذه المحطات بطبيعة استعمالات الأراضي المجاورة بما في ذلك نوع الاستعمال، وكثافته، ومستويات الوصولية، تعزز من نجاح واستدامة هذه المحطات على المدى البعيد.

في مدينة الرياض يمكن اعتبار محطات المترو بمثابة مراكز تنمية موجهة للنقل العام Transit-Oriented Development – TOD ولكن في حال تم اعتبار تطوير الحيز المكاني المحيط بهذه المحطات بفعالية. وهذا يقتضي دراسة كل محطة وعلاقتها بالسياق العمراني، ونوعية الاستعمالات المحيطة، وكثافتها ومدى مواءمة منظومة الحركة ومسارات المشاة الحالية لتعزيز الوصولية بكفاءة.

وغني عن البيان، فإن المحطة المثلى ليست تلك المصممة بطراز إبداعي؛ بل هي التي تحقق الهدف الوظيفي لتكون مركزا متصلا بالمرافق، والخدمات، والمساكن المحيطة، وتحفز المشاة على الوصول إليها بسهولة. حين يضطر الراكب بعد خروجه من المحطة إلى ركوب وسيلة نقل أخرى للوصول إلى وجهته النهائية، أو يجد نفسه في مكان شبه معزول عن المحيط الحضري، فإن ذلك يعكس إشكالية في الوصولية (Accessibility) ويحد من جدوى النقل العام بوصفه بديلا فاعلا من حيث التكلفة والوقت.

إن المشهد المتكرر أمام (بعض) المحطات واصطفاف أعداد كبيرة من سيارات الأجرة وخروج الركاب العشوائي والمباشر أمام الطرق السريعة يعكس بجلاء غياب التكامل الوظيفي بين مكونات النظام الحضري. فحين تصبح بعض المحطات نقطة عبور معزولة، فإن الركاب يضطرون في كل مرة للاعتماد مجددا على النقل الفردي، مما يلغي الميزة الاقتصادية المفترضة للنقل العام. بعبارة أخرى، يمكن أن تساهم هذه المحطات في إعادة إنتاج الازدحام المروري بشكل مكثف في حال لم يتم تخطيطها بشكل مستدام.

إن الجدوى الاقتصادية للنقل العام لا يمكن أن تتحقق بمجرد إنشاء المحطات دون وجود خطة استراتيجية لا تنتهي بمجرد التنفيذ؛ بل تؤكد على المتابعة، والتقييم وصولا إلى تعزيز التكامل بين التخطيط العمراني وشبكة النقل الحضري.

أرى أهمية تبني مفهوم تطوير المناطق الموجه للنقل TOD كإطار استراتيجي لإعادة تشكيل البيئة الحضرية المحيطة بمحطات المترو ورفع كفاءتها التشغيلية. هذا النموذج لا يقتصر على تحسين الوصولية فحسب؛ بل خلق بيئة مشاة متكاملة، وتقوية الاتصالية المكانية، وتنويع استعمالات الأراضي وكثافتها حول المحطات، ورفع الكثافة السكانية حول المحطات لتكون رافدا يسهم في خلق حياة حضرية نابضة تقلل الحاجة إلى التنقل المستمر. وقبل ذلك، تقييم الوضع الحالي بسؤال المجتمع عن أسباب عدم استخدام محطات المترو؟ لجذب شرائح اجتماعية جديدة، وسؤال المستخدمين الحاليين عن سبل التطوير لضمان استمرارهم في استخدام المحطات مستقبلا.

باختصار، علينا أن نبدأ بالتحول الاستراتيجي لمفهوم محطات المترو من مجرد منشآت نقل مصممة بشكل جيد إلى مراكز تنموية حضرية متعددة الوظائف وبيئة عمرانية متصلة، نابضة بالحياة، تعزز مبدأ استدامة المدن.