عبدالحليم البراك

إحصائية التنجيم!

الاثنين - 15 أبريل 2024

Mon - 15 Apr 2024

وفقا للأديب الكبير الراحل أنيس منصور «فإن مارك توين ولد يوم اكتشف الفلكيون مجموعة نجوم اسمها هيلي سنة 1837م، وقال مارك توين في لحظتها يوم موتي ستختفي هذه النجوم وسوف يولد في هذا العام أديب كبير وسوف يموت أديب عظيم».

ويضيف أنيس منصور «واختفت هذه النجوم سنة 1910م ومات مارك توين، ومات أيضا الأديب العظيم تولستوي وولد الأديب الفرنسي الكبير جان أنوي، وغير مارك توين كثيرون جدا يؤمنون بأثر النجوم على حياة الناس» قال هذا أنيس منصور وهو يرصد تعلق الناس في علم الأبراج وتفسيراتها حتى ولو كانوا علماء أو مفكرين، مهما عظم شأنهم أو صغر فلم ينج أحد من هذا، ووفقا لوجهة نظر الفيلسوف النمساوي الشهير كارل بوبر فالعلم هو القابل للتكذيب، وبناء عليه دار الجدل حول علم الفلك، هل يمكن اعتباره علما لأنه يمكن تصديقه أو تكذيبه عموما و في أحسن الأحوال «اعتبر بوبر علم التنجيم بأنه «شبه تجريبي» في أنه «ينادي بالمراقبة والتجربة»، لكنه «مع ذلك لا يصل إلى المعايير العلمية» وهذه النقطة الجدلية الكبيرة بين بوبر وخصومه وكيف يمكن لهذه الفكرة أن تهز كيان نظريته بالكامل!

ويطيب للمنجمين الضغط على ما يحبه الناس ويعشقونه ألا وهو التنبؤ في المستقبل القريب للإنسان، فعلم الفلك والعاملون في تفسير الأبراج إنما يدغدغون الناس في تفسير مستقبل أيامهم، ولذلك يعتبر الفلك أحد العلوم (إن صح تسميتها علما) التي تستهدف التنبؤ ومستقبل الإنسان وبرغم أن ثمة علوما أخرى تستهدف التنبؤ بالمستقبل إلا بعضها يستخدم أدوات علمية غالبا ما تصدق إلا إن دخلت متغيرات أخرى أثرت على المعادلات العلمية، مثل علم الاقتصاد وغيره، إلا أن التنجيم والفلك والأبراج الذي لا يوجد لديه أي صيغة علمية يمكن الاعتماد عليها ومناقشتها بشكل دقيق سوى كتابات يمكن وصف بعضها أنه «الأكثر دقة والأقل دقة لا أقل ولا أكثر»، الغريب جدا يتهرب مناصرو التنجيم من مسألة علميته بشكل ملحوظ، لكنهم يتشبثون بعبارة قوية ومحل تأمل، وهي أنه إن كان تأثير القمر على البحر لدرجة حدوث ظاهرة المد والجزر على البحار أفلا يحدث أي تأثير ولو بنسب مختلفة على الإنسان جراء قرب القمر أو الأفلاك أو الأبراج على الإنسان؟ وعندما تتساءل إلى أي مدى يؤثر يقولون: قليلا أو كثيرا بحسب المتغيرات الأخرى، ولما تسأل عن «هذه الأخرى، ما طبيعتها؟» يقولون المتغيرات كثيرة جدا مثل التربية والبيئة والثقافة والحالة الاجتماعية ووضع العالم، ويختلط في هذه اللحظة العلم واللا علم!

ثمة ملاحظة عابرة في الصحف والمواقع الالكترونية التي كانت ولا يزال بعضها يضع الأبراج على صفحتها، وهي أنك لو تتبعت برجك هذا اليوم لوجدتها يناقض بعضها بعضا، والغريب أن الدوغمائين الذي يصدقونها – برغم أنهم ينتقلون من صحيفة إلى صحيفة ومن وموقع إلى موقع وكل موقع يعطي وصفا مختلفا عن الآخر لدرجة التناقض إلا أنهم لا يزالون يصدقونها، لأنهم يريدون أن يصدقونها ويختارون ما يحبون منها! وكثيرا ما فشلت الدراسات إحصائيا في إثبات العلاقات المهمة بين التوقعات الفلكية والنتائج المحددة فعليا. من أجل تحويله إلى علم، واستنتجت اختبارات الفرضيات التي تعتمد على التنجيم أن دقة معاني التوقعات الفلكية لا تزيد على ما هو متوقع من قبيل الصدفة. لا أقل ولا أكثر!

في العموم يمكن القول إن التنجيم هو الموضوع القديم الجديد الذي يتجدد في لحظة واحدة وهي إن صادف أن صدق في لحظة ما فإنه مبهر للغاية، لكنه لا تعدو سوى صدفة واحدة مثيرة ثم تمضي عابرة حتى تمضي السنوات وتأتي كذبة أخرى (عفوا) أقصد لحظة أخرى يعود من جديد إن صادف صدفة فحسب!

Halemalbaarrak@