فيصل الشمري

ما هي توجهات الاقتصاد الصيني في المستقبل والصعوبات التي يواجهها؟

الاحد - 14 أبريل 2024

Sun - 14 Apr 2024


من الضروري طرح هذا السؤال لمعرفة ما إذا كان الاقتصاد الصيني يعاني من مشاكل أم لا.

إنه من الضروري أيضا إلقاء الضوء على الوضع الحالي للاقتصاد الصيني، وهذا ليس فقط بسبب الحجم الضخم للاقتصاد الصيني والذي يأخذ في النمو بطريقة كبيرة منذ ثلاثة عقود، لكن السبب يكمن في أن شيئا يحدث داخل الاقتصاد الصيني يؤثر بطريقة سلبية أو إيجابية على اقتصاديات كل دول العالم.

كان أداؤه الاقتصادي في 2023 أداء جيدا.

ومع انتهاء الربع الأول لعام 2024 من الواضح أيضا أن الاقتصاد الصيني ما زال محتفظا بأدائه الطيب.

وإذا كان حجم الناتج القومي والمحلي للاقتصاد الصيني قد بلغ رقم يزيد على 18 تريليون دولار سنويا، فإن معدل نمو الاقتصاد الصيني يبلغ 5.2% كل عام من حجم هذا الاقتصاد الكبير.

لكن سوف يزداد العجز السنوي لنسبة 4.2% من حجم الناتج القومي الإجمالي، والتي كانت 3.8% في 2023.

بينما تعتبر ظاهرة التضخم الاقتصادي مشكلة عويصة للعديد من الدول وعاملا يعيق التقدم في الكثير من الاقتصاديات، تعمل آلية التضخم بطريقة مختلفة في الصين، ما زال الاقتصاد الصيني آخذا في استعادة عافيته وفي الانفتاح بعد فترة الإغلاق التي صاحبت وباء كورونا، في هذا الشأن يأخذ الاقتصاد الصيني اتجاه هبوط أسعار السلع والخدمات بعكس معظم اقتصاديات دول العالم.

معنى هذا أن الاقتصاد الصيني يعاني من انكماش ويأخذ هذا الانكماش شكل دورة اقتصادية كاملة، والجدير بالذكر أنه مع بدايات 2024 هبط مؤشر سعر الاستهلاك بنحو 0.8%.

وهذا يطرح تساؤلا عن مدى استمرار هذا الانكماش.

البعض من الاقتصاديين يتوقعون أن هذا الهبوط الانكماشي في الاقتصاد الصيني قد ينتهي مع نهاية 2024.

يمكن لمؤشر الأسعار الاستهلاكية تحقيق نوع من الاستقرار لو ارتفعت قليلا أسعار السلع الأساسية.

ربما تزداد أيضا أسعار الكهرباء، وقد يرغم هذا الحكومة الصينية على اللجوء لاستخدام وسائل الطاقة البديلة.

وتستخدم الصين مفاعلات توليد الطاقة من الفحم.

ويمكن أن يكون البحث عن مصادر الطاقة البديلة قضية تؤثر على صناعات الفحم والتعدين والمناجم في الصين.

ولا يعتبر سعر الطعام عبئا على العائلات في الصين.

وفي هذا الصدد ساهم الاستهلاك المحلي في الصين بنسبة 61% من إجمالي الناتج القومي المحلي في جمهورية الصين الشعبية.

لكن هذا العامل المهم يبدو أنه آخذ في التراجع منذ 2020 بسبب القيود التي فرضها فيروس كورونا على العالم وعلى الصين.

لكن من الواضح أيضا أن معدل الاستهلاك المحلي أصبح آخذا في الصعود ويعزو هذا إلى الحجم الكبير لتعداد السكان في الصين.

ولشرح هذه النقطة بأسلوب أكثر تفصيلا، يجب الإشارة إلى أن قطاع تجارة التجزئة هو أهم عامل في الاستهلاك المحلي للاقتصاد الصيني.

لكن هذا القطاع يسجل تراجعا سلبيا في معدلات النمو منذ 2000. ومن المنطقي أن تركز الصين على أسواقها المحلية الداخلية قبل أن تفكر في فتح أسواق خارجية جديدة.

يجب أن تركز الصين على الاتجاهات السلبية المصاحبة لتجارتها الداخلية، إن هذا هو المكون الرئيسي للنمو العام للاقتصاد الصيني. وفي هذا الصدد يقدر بنك الاستثمار الأمريكي ج. ب. مورجان بأن الحد الأدنى لمعدل الزيادة في حجم الاستهلاك المحلي للاقتصاد الصيني سوف يكون بنسبة 6% في 2024 عن معدله في السنوات السابقة.

ويلاحظ أن هناك زيادة في الحد الأدنى للأجور في الصين، وبالذات في العاصمة بكين وشنغهاي.

في الصين تحدد الحكومات المحلية قيم المرتبات والأجور.

ومن ثم فإن المقاطعات والمدن التي تشهد معدلا عاليا للنمو ستكون قادرة على دفع رواتب أعلى لقوتها العاملة.

والاستنتاج من هذا هو أن معدل الاستهلاك سوف يكون مرتفعا في المناطق العمرانية بالمقارنة بالمناطق الريفية، ويعني هذا أيضا أن عامل الاستهلاك المحلي في الاقتصاد الصيني ما زال منخفضا لوجود فجوة كبيرة بين دخل الفرد في الريف عنها في الحضر.

المشكلة الأساسية للاقتصاد الصيني تكمن في قطاع الإسكان. لقد شهد سوق العقارات في الصين تراجع كبيرا في 2023.

وهذا التراجع ما يزال مستمرا ولم يشهد أي تحسن. وعلى سبيل المثال تراجعت معدلات مبيعات الوحدات السكنية الجديدة في 2023 بنسبة 17.3%، وفي 2022 تراجعت بمعدل 26.8%.

والصورة أيضا كئيبة بالنسبة لبناء مساكن جديدة، ففي 2022 هبطت معدلات بناء وحدات سكنية جديدة بنسبة 21.4، وفي العام السابق له هبطت بنسبة 40%، وفي 2022 هبطت معدلات الاستثمار في قطاع الإسكان بنسبة 9.6%.

وإن كانت هناك مؤشرات على استقرار أسعار الوحدات السكنية الجديدة في النصف الأول من 2023، إلا أنها سرعان ما تراجعت في بقية العام وما زالت تتراجع حتى الآن.

إن أكثر الأشياء خطورة هي عدم قدرة الصين إيجاد سوق مستقر لقطاع الإسكان. المؤشر الإيجابي الوحيد في قطاع الإسكان في الصين هو الزيادة في معدلات تشطيب وإنهاء العمل بالمنازل التي بنيت حديثا، حيث بلغ معدل هذه الزيادة 15.8% في 2023.

ولكن هذا ليس معدلا كافيا لانتشال قطاع الإسكان في الصين من أزمته الحالية.

يعتبر الاقتصاد الصيني لاعبا مهما في الاقتصاد الدولي، ويستطيع أي محلل استنتاج العديد من الدروس من الرصيد المتعدد له، ولكن أهم درس لمنطقة الشرق الأوسط أن الصين قد لا تتوسع اقتصاديا في الخارج وتركز على دعم اقتصاديتها لقطاع الإسكان وأيضا إيجاد سياسات اقتصادية لضبط التضخم وتشجيع الاستهلاك المحلي لسكانها، إن تفعيل حوافز استهلاكية لأكثر من 1.4 مليار من البشر ليس أمرا سهلا.

ومن المتوقع أن يكون نمو الاقتصاد الصيني بتوسيع وتنشيط أسواقها الداخلية وليس التوسع في الاستثمار خارج حدودها.


mr_alshammeri@