خضر عطاف المعيدي

اختبارSTEP: جودة أم كبت طموح؟!

الاحد - 24 مارس 2024

Sun - 24 Mar 2024

«الجودة، عمل متقن ما لم يتخلله الرياء...»
- هنري فورد -

تسعى الجامعات والمؤسسات التعليمية سعيا حثيثا نحو جودة المخرجات التعليمية كي تتميز كل مؤسسة تعليمية عن غيرها بقوة المعرفة وكفاءة الخريج علميا ومهنيا ومهاريا. وقد وضعت الكثير من المؤسسات التعليمية - كالجامعات مثلا- معايير للقبول تلائم تلك البرامج التي تهدف الجامعة لتقديمها والتي تضمن بالدرجة الأولى وضع الشخص المناسب في التخصص المناسب وإعداده للحقل المناسب لاحقا.

ولكن تحل المصائب دائما حينما نضع شروطا للقبول تتنافى مع مقتضى الحال، وذلك حين تضع الجامعة شروطا من يتأملها يشعر للوهلة الأولى بأن من وضعها يعيش في كوكب غير الكوكب الذي يعيش به المجتمع وما شرط اختبار اللغة STEP عن ذلك ببعيد. فقد وضعت جامعة أم القرى -على سبيل المثال - شرط الحصول على درجة 60% في اختبار اللغة الإنجليزية ضمن شروط القبول بأقسام اللغة الإنجليزية بالجامعة الأم وفروعها وكأن من وضع هذا الشرط يظن بأننا ضمن بيئة «الثنائية اللغوية» والتي أطلق عليها كاتشرو «The Outer Circle» حيث اللغة الإنجليزية هي اللغة الرديفة للغة البلد في كل مناحي الحياة ولا يعلم بأننا نقع ضمن بيئة «الجفاء اللغوي» «The Expanding Circle» حيث يندر أن تجد من يتحدث إليك ومن تستمع إليه فاللغة مجرد لغة أجنبية لا ثانية للمجتمع، فعمد لوضع مثل هذه الدرجة ظنا منه بأنه سينتقي من الجمع الثلة المناسبة للقسم ولا يدري بأن هذا الشرط ليس شرطا للانتقاء بل هو شرط «قفل للأقسام» فمثل هذه الدرجة لا يتحصل عليها حتى أغلب من حصل على الدكتوراه من الخارج في غير تخصص اللغة، فكيف تطالب بأن يتحصل عليها طالب الثانوية والذي لا يفقه -في الغالب- الفرق بين ضمير المخاطب في اللغة وضمير المتكلم!

تتعجب أشد العجب من أناس تضع شروطا وكأنهم لا يعيشون واقع الحياة مع بقية المجتمع فهم يتميزون في وضع المعرقلات وسبك العقبات وينفخون على زبر الحديد لوضع سد من المعوقات. وسؤالي لمن وضع هذا الشرط للقبول بأقسام اللغة: هل أجريت دراسة مقننة للنظر في واقع مخرجات اللغة الإنجليزية في التعليم العام؟

وهل تم التنسيق مع الجهات التي تقدم برامج اللغة الإنجليزية للسنة التحضيرية والتأهيلية بالجامعة أو فروعها للنظر في دور مناهج التعليم العام ومخرجاتها اللغوية في تهيئة الطلاب لدراسة اللغة الإنجليزية بالجامعة؟

أين هو من الفروع التي تفتقد لمعاهد اللغة أصلا ولا يوجد بها مكتبات علمية يستطيع الطالب أن يستزيد منها لدراسة اللغة قبل الولوج للجامعة، ليس بها مراكز معتمدة للتدريب اللغوي أو المهاري أو لإعداد الطالب إعدادا جيدا لمثل هذه الاختبارات.

أين هو من مناهج اللغة الإنجليزية بالتعليم العام والتي لا ترتبط بمعامل ولا تعزز مهارة الاختبار الورقي منه أو المحوسب بل هو منهج يلخص في نهاية العام في وريقات يحفظها الطالب من ثم يسبكها في الاختبار النهائي لينال درجة عالية خادعة لا تعكس واقع تمكنه اللغوي بل درجة الغالب امتياز في اللغة ولا يستطيع أن يطلب رغيف خبز باللغة الإنجليزية.

أين هو من مناهج تدرس باللغة العربية ويبدع استاذها بتدريس القواعد (النظم اللغوي) ظنا بأن اللغة مجرد قواعد وحفظ للمتون اللغوية.

أين هو من نشر الوعي المستمر لمثل هذه الاختبارات في مؤسسات التعليم وأين الشراكة التي قدمتها الجامعة مع إدارات التعليم لتمكين الطلاب ومدرسي اللغة وخبراء التعليم في الانخراط لبرامج تثري المهارات اللغوية للاختبارات المعيارية فالجامعة جزء من المجتمع كما يقال وأظنها بمعزل عنه.

دعونا نتفحص الواقع بعيدا عن الطوبائية والسفسطائية وننظر للواقع بعين من يبصر لا من يسمع فسوف نجد أن أغلب المبتعثين حتى ممن تخصصه في اللغة الإنجليزية قد لجأ لمعاهد اللغة حينما سافر لبلد الابتعاث هروبا من عدم اجتياز اختبارات اللغة والتي تتطلب بعضها درجة 5 في الآيلتس على الرغم أنهم أمضوا قرابة الاثني عشر عاما في التعليم العام وأربع سنوات بالجامعة يدرسون اللغة ولم تنقذهم هذه السنون وهذه الحصص والمحاضرات في مواد اللغة الإنجليزية لاجتياز اختبار الآيلتس، واليوم قد نسوا معاناتهم وأسقطوها على الآخرين ويريدون فرض اختبار الـ Step على طالب حديث عهد بالثانوية ولم يضع قدمه بعد بالجامعة. لك إن كنت تبحث عن الجودة تأخير مثل هذه الاختبارات لما قبل تخرج الطالب من الجامعة وتجعله اختبارا شاملا تقيس على ضوئه الكفاءة التخصصية وللتأكد من جودة المخرجات وجودة المنتج التعليمي الذي قدمته الجامعة والأقسام خلال المسيرة الجامعية وكي تتأكد من صلاحية الخريج وهل يمنح شهادة علمية أم شهادة فخرية فقط.

هناك من لديه شغف باللغة وتعلمها وتعلم ثقافة أهلها ولكن قدر له أن يكون ابن قرية أو في معزل عن معاهد اللغة وعن المراكز التدريبية التي قد تساعده على اجتياز اللغة فلماذا يحرم من القبول في القسم ومن ثم سيتبين تميزه بعد حين وذلك لأن برامج الأقسام في السنة الأولى هي برامج مهارية تهدف لتهيئة الطلاب للغوص في أعماق التخصص الدقيق ما بين لسانيات وأدب وترجمة، وأربع سنوات ستغير من المعرفة لمن لديه شغف لذلك، وكلما كان البرنامج رصينا في أول سنة في القسم سيفرز من يصلح ومن لا يصلح للقسم، وأظن بأن أغلب من يلتحق بأقسام اللغة الإنجليزية إنما جرهم حب اللغة والتمتع بالحديث بها والتواصل من خلال أنظمتها للالتحاق بالأقسام كي يستزيد في طلبه، فأقسام اللغة في العالم لا يلتحق بها -في الغالب- إلا من لديه شغف بآداب اللغة وعلومها.

لماذا نكبت الطموح ونكبل الإرادات ونقتل الشغف كي نصبح يوما نبحث عن متخصص في اللغة فلا نجد من يسد ثغرة الحاجة فنلجأ للتعاقد مع المتقاعد أو غيره، ولنعلم بأنه يصدق على اللغة ما قاله «فون ماير» عن الطاقة: بأنها لا تفنى ولا تستحدث من العدم» نعم فبدون اللغة وعلومها ستجمد كل العلوم وتخيل نفسك تشرح الفيزياء والرياضيات والطب بلا لغة! ستكون أشبه بمن ملأ فمه بالماء ويريد الحديث أو بمن التقى بآخر في عمق محيط ولن تسعفه إلا الإشارة وما أدراك الإشارة.

أخيرا، بدلا من وضع شروط تعجيزية فالأولى وضع برامج تدفع بالطلاب نحو التخصصات وتحفز فيهم الإرادة وتعزز من ميلوهم، فالجامعة صرح أكاديمي إنما وضع ليكون مركزا للانطلاق نحو المعرفة والتحليق في فضاء الإبداع وصقل التميز لا دهليز لا يعرف الشخص أين سيأخذه ولا حجابا حجب عنه ضياء العلم.