علي المطوع

أبها في رمضان

السبت - 09 مارس 2024

Sat - 09 Mar 2024

أبها مدينة تأبى الخروج من إطارها القروي الذي وجدت نفسها فيه منذ مئات السنين، كونها صغيرة في أبعادها الجغرافية، قليلة في عدد سكانها قياسا بمدن أخرى، محددة بنشاطات إنسانها الحياتية، ومحدودة بموقعها المكاني الآسر والفريد، فهي تحن إلى ماضيها القريب عندما كانت مجموعة من القرى الصغيرة، يجمعها الوادي وسوق الثلاثاء وقبل ذلك أخلاق أهلها الطيبين، واليوم تعيش نقلات حضارية عظيمة، كانت أجهزة الدولة الخدمية بخططها التنموية الطموحة هي من أخذ بيد إنسانها لتنقله بهدوء ورؤية وروية إلى ما يعيشه اليوم من قصص نجاح، شواهدها ما يرى اليوم بين جنباتها من تقدم وتحضر ورقي.

أبها قصة ما زالت تروى ومازال الراسخون في حبها يعرفون ماذا تعني أبها لهم وماذا يعنون لأبها، ماذا تعني للتاريخ قبل الجغرافيا، وللإنسان قبل الحجر والشجر؟.

ميزة أبها أن لها قاموسها الكلامي الخاص؛ فلهجة أهلها خليط من كل لهجات النواحي المحيطة بها، كنا في قريتنا البعيدة نسبيا عن أبها نستكثر ونستثقل غِيرة وربما حسدًا كأقران صغار؛ استقامة لسان أحدهم إذا تحدث بلهجة أبهاوية خالصة بعيدة عن لهجتنا القروية الدارجة، فنقول له مستنكرين؛ يقلد كلام أهل أبها!.

أعجب من بعض المقيمين من جنسيات عربية مختلفة استوطنت أبها من عشرات السنين، أعجب من إجادتهم للهجة الأبهاوية الخاصة والخالصة، وقدرتهم على الحديث بها وكأنهم من أهلها الأصليين، تساءلت عن السبب!، فيبدو أن لهذه اللهجة قواعدها الإنسانية الخاصة كونها تلامس شغاف القلوب، وقبل ذلك تتأثر بأجوائها الندية وعذوبة هوائها النقي وخضرتها الدائمة طوال العام، كل ذلك ينعكس ثراء لغويا وعاطفيا على قاموسها الدارج على ألسنة الناس، فتجد «الله يطعني»، عندما يصل الأبهاوي إلى أعلى درجات الحب والحنين، ومثلها «بي عنك» عندما يجد الأبهاوي أن هناك من يستحق أن يفديه بروحه وقلبه وعواطفه الجياشة، كل ذلك يكون انعكاسا لطبيعة أبها البهية وجمالها الآخاذ في كل فصول السنة وطوال العام.

أما رمضان في أبها فهو فصل آخر من فصول جمالها وفرادتها، فما أن يعلن دخول هذا الشهر حتى تبدأ العائلات في تجديد حياتها بما يتناسب وقدسية هذا الشهر الكريم، والحقيقة أن الاستعدادات تكون قبل مجيء رمضان، فسيدات البيوت يعتنين ببيوتهن، ويعدن تزيينها بالجديد من الفرش والألوان لتكون لائقة باستقبال هذا الشهر الكريم، والتجديد بشكل عام يكون متزامنا مع هذا الشهر، فكل شيء في البيوت يوحي لك بأن رمضان ما قبله شيء وما بعده أشياء، وخلالها تكون أبها في كامل حضورها أمام ذاتها ثم أمام أهلها الذين يحتفلون بهذا الشهر ويحتفون بقدومه أيما احتفاء.

في عصريات الشهر الكريم للأبهاويبن أسواقهم، فسوق السنبوسة علامة فارقة في (عشايا) رمضان، يهب الناس وحدانا وزرافات إلى هذا السوق، فهو عبارة عن سوق ترعاه أمانة منطقة عسير ترتيبا وتنظيما، ومن ثم تبسط المكان لكل شخص يود أن يسترزق خلال هذه الفترة الذهبية من العام وفق الضوابط البلدية والاشتراطات الصحية، فتحضر الأكلات الشعبية، من حنيذ وسنبوسة وخبز وحلويات، والأخيرة تغري بعض الصائمين وقت صيامهم بابتياعها، كون لحظة الجوع تطيب لهم مالا يستطيبونه طوال العام، ولكنه رمضان وخصوصيته الجميلة.

وقبيل المغرب بقليل تزداد حركة الناس في الشوارع، كل يريد العودة إلى أسرته ليستمتع بأجواء رمضان وسفره العامرة بما لذ وطاب من أطايب الطعام المحلي في أصله وطريقة طبخه، وشيء مما فرضته الحياة العصرية وتلاقح الثقافات، يتسمر الجميع أمام المائدة بانتظار صوت الأذان الذي يتزامن مع ذكريات مدفع رمضان، الذي كان يطلق مرة من جبل ذره ومرات من قلعة شمسان.

جميلة أبها بكل جمالياتها، وجميل إنسانها بكل ما فيه من عادات وتقاليد صاغتها هذه المدينة وجمالها الخلاب، هذه العادات والتقاليد لا تقتصر على رمضان، فأبها تختزن بين جنباتها الكثير والكثير منها، فتعيد توزيعها على الناس حسب المناسبات وما تقتضيه من أجواء وطقوس، فلها في كل مناسبة طقس أبهاوي خالص ينسجم مع الإنسان وتلك الطبيعة الخلابة التي يحيطها وتحيط به من كل مكان وفي كل زمان.

alaseery2@