بشرى فيصل السباعي

النزعة اللاواعية للوم المبتلى والمريض

الاثنين - 04 مارس 2024

Mon - 04 Mar 2024

لأن الثقافة السائدة في مجتمعنا دينية الطابع فالتفسيرات لكل الأحداث التي تقع على الإنسان تكون قائمة على المنظور الروحي، وفي حالة معاناة الإنسان من أي مصيبة أو بلاء مستمر كالمرض تسود نزعة لاواعية للوم وتقريع المبتلى أو المريض على استمرار حال بلائه أو مرضه واتهامه أنه لم يدعو بما فيه الكفاية ولم يتدين بما فيه الكفاية ليستجيب الله له ويرفع عنه البلاء أو أنه استحقه كعقوبة، وتتضاعف بذلك المعاناة على المبتلى أو المريض الذي يبذل أقصى وسعه في التدين واللجوء إلى الله ويعاني نفسيا من تأخر الاستجابة وفوق معاناته من تأخر الإجابة وكرب البلاء يأتيه لوم وتقريع وتشكيك الناس النرجسي في شخصه وصلاحه.

وهذا حصل حتى لأشهر مبتلى ومريض وهو النبي أيوب؛ ففي التوراة سفر كامل عن قصة مرضه والجزء الأكبر منه هو عن معاناته من لوم وتقريع أصحابه عند زيارتهم له وكان رد النبي أيوب على لومهم وتقريعهم له بالتالي وهو رد يفطر القلب (سفر أيوب 6: 25-19) «علموني فأنا أسكت، وفهموني في أي شيء ضللت. ما أشد الكلام المستقيم، وأما التوبيخ منكم فعلى ماذا يبرهن؟

ليتكم تصمتون صمتا يكون ذلك لكم حكمة.. اسمعوا الآن حجتي.. أتقولون لأجل الله ظلما.. أم عن الله تخاصمون.. أخير لكم أن يمحصكم؟

خطبكم أمثال رماد.. قد سمعت كثيرا مثل هذا، معزون متعبون كلكم.. أنا أيضا أستطيع أن أتكلم مثلكم لو كانت أنفسكم مكان نفسي وأن أسرد عليكم أقوالا وأنغض رأسي إليكم.. حتى متى تعذبون نفسي وتسحقونني بالكلام.. وهبني ضللت حقا، علي تستقر ضلالتي.. إن كنتم بالحق تستكبرون علي فثبتوا علي عاري.. ترأفوا ترأفوا علي يا أصحابي».

وخاتمة السفر «سفر أيوب 7:42» دافع الله عن أيوب وقال لأصحابه الذين قرعوه على أنه لم يتدين بما فيه الكفاية ليرفع عنه البلاء إنه «اشتد غضب الله عليهم».

وفي قصة النبي أيوب عبرة عن أن الله لا يرضيه أن يتم تقريع المبتلى أو المريض واتهامه بعدم التدين والدعاء بما فيه الكفاية لرفع البلاء عنه أو أنه استحق المصيبة كعقوبة، بل يغضب الله على المقرعين للمبتلى أو المريض، مع العلم أنه ورد في القرآن والسنة بيان أن للبلاء أسبابا متعددة وليست دائما تكون عقوبة كما في حالة النبي أيوب، حيث ورد في سفر أيوب أن سبب بلائه كان زعم إبليس أن تدين أيوب سببه الامتنان؛ لأن الله منحه كل أنواع النعم ولو حرمه منها سينقلب عن التدين، فسمح الله لإبليس بأن يوقع بأيوب الأحداث التي أفقدت أيوب كل النعم وامتحنته بكل المحن لإثبات أن تدينه لا يتغير وأنه لوجه الله وليس لأجل النعم.

وفي خبرات الموت المؤقت «NDE» أي الذين توقفت قلوبهم وأدمغتهم عن العمل وخرجت أرواحهم من أجسادهم قبل أن يتم إنعاشهم قالوا إنهم طالعوا أسباب البلاء والمحن في الدنيا وعرفوا أنها دائما تكون لغاية النمو والتطور الروحي للإنسان أو للمحيطين به عبر تعاملهم معه ورعايتهم له خلال المحنة والبلاء والإنسان وافق عليها مسبقا من قبل أن يولد إلى الدنيا، فالدنيا ليست دار جزاء إنما مدرسة؛ ولذا كل ما يحدث فيها هو لغاية توليد الدروس التي تساعد على النمو والتطور الروحي ولو كانت المصائب عقوبات لكان ظهر ذلك في أصحاب أنماط الحياة المخالفة لمرضاة الله ومن تسببوا بقتل الملايين، وهذا ما قاله أيوب لأصحابه الذين قرعوه على عدم تدينه بما فيه الكفاية، حيث أخبرهم أن الأشرار يعيشون حياة سعادة بما يثبت أن المصائب لا تدل على استحقاق الإنسان لها كعقوبات والسعادة المادية لا تدل على استحقاق الأشخاص لها « سفر أيوب:21».

قد تتأخر لحكمة استجابة الله لدعاء الإنسان بدون أن يكون هناك أي قصور من طرفه في اللجوء إلى الله والتدين والدعاء كما كان الحال مع أيوب، ثم تقريع الإنسان بافتراض قصوره الديني قد يولد لديه نفورا من الدين والمتدينين؛ لذا فالصواب استعمال المنظور الروحي لمنح الإنسان الأمل والمواساة والعزاء ورفع الروح المعنوية وهذا تلقائيا سيشجعه على المزيد من التدين والدعاء بدل اللوم والتقريع والاتهام والهمز واللمز.