تركي القحطاني

الوقاية القانونية في القطاع غير الربحي

الاحد - 18 فبراير 2024

Sun - 18 Feb 2024


يرتبط نمو القطاع غير الربحي في العالم بالحوكمة الجيدة التي تصنع من هذا القطاع قطاعا مستداما، وقد بلغ عدد الجمعيات الخيرية في المملكة حسب آخر الإحصائيات المنشورة 3540 جمعية و692 مؤسسة أهلية وصندوق عائلي.

وبينما يلاحظ هذا النمو الهائل والمواكب مع رؤية سمو ولي العهد «نهدف للوصول إلى قطاع غير ربحي مهم مبادر وداعم ومؤثر في التعليم والصحة والثقافة والمجالات البحثية» تقف قلة الوعي القانوني لدى بعض الممارسين للأنشطة غير الربحية عائقا للاستدامة المرجوة.

يشكل الوعي القانوني واتخاذ سبل الوقاية اللازمة درعا حاميا للجمعية أو المنظمة قبل الوقوع في خلل نظامي أو خطأ في الإجراءات الإدارية التي يفترض أن تتبعها، ونرى كممارسين قانونيين في القطاع عدم كفاية في الوعي القانوني لدى الجهات غير الربحية، مما يوقع الكثير منها في العديد من الصعوبات والتحديات التي قد يغفل عنها، ومن تلك التحديات: تعارض المصالح بين الأعضاء في الجمعية ومصلحة الجمعية، صلاحيات أعضاء الجمعية العمومية، صلاحيات أعضاء مجلس الإدارة، أدوار وصلاحيات اللجان التي تكونها الجمعية العمومية، ومسؤوليات الجهاز التنفيذي في المنظومة؛ وسأتناول في هذا المقال تعارض المصالح كأحد أهم التحديات التي تواجه القطاع.

يُعنى بتضارب المصالح التحدي الذي يواجه المنظمة عندما تقرر الدخول في معاملة أو ترتيبات قد تفيد المصلحة الخاصة لأحد الأعضاء أو الموظفين، وتتبع الجمعيات القائمة على حوكمة جيدة «سياسات تعارض مصالح» لتضمن عدم تغليب مصلحة أحد أعضائها على مصلحة الجمعية.

ويعتبر الإفصاح أهم الطرق والمبادئ في هذا الصدد، حيث خصصت قواعد حوكمة الجمعيات والمؤسسات الأهلية فصل كامل للإفصاح، وهو عملية ترتكز على أسس من النزاهة والشفافية التي هي أساس العمل في القطاع غير الربحي وبوصلة الجمعيات نحو الاستدامة.

أوضح دليل حوكمة الجمعيات الأهلية عدة مؤشرات للشفافية والإفصاح، أهمها ضرورة نشر اللوائح والسياسات المعتمدة لديها في موقعها الإلكتروني، كسياسة جمع التبرعات، وتنظيم العلاقة مع المستفيدين، وسياسة تعارض المصالح، بالإضافة إلى أسماء أعضاء مجلس الإدارة واللجان الدائمة، والعلاقات العائلية والتجارية بين أعضاء المجلس واللجان أو الموظفين، وضرورة الإفصاح عن أي تعاقد بين الجمعية وشركة لأحد أعضاء المجلس أو أقاربه من الدرجة الأولى.

ولتجنب التأخير في الإفصاح والوقوع في محظورات الأنظمة المتعلقة بهذا الشأن، ولضرورة الحرص على وجود الأمانة والشفافية كشعار للجمعية، يظهر دور الاهتمام بالجانب القانوني والوعي القانوني لدى تلك الجمعيات، فمن الحرص أن يكون لدى أصحاب القرار الوعي بضرورة الاستعانة بأصحاب الخبرة في تأسيس الجانب القانوني لدى أعضاء الجمعية للعمل وفق منهجية مستدامة ونزيهة.

وقد جاء في نص المادة (41) فقرة (4) من قواعد حوكمة الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادرة بقرار مجلس إدارة المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي رقم (ت/23/1/9) وتاريخ 18/12/1444هـ صراحة بأنه (إذا شك العضو في وجود تعارض مصالح من عدمه فله طلب الإرشاد من رئيس مجلس الإدارة في الجمعية أو من رئيس مجلس الأمناء في المؤسسة على أن يثبت ذلك كتابة)، عليه لا يكون الجهل بالقانون عذرا لوقوع المخالفات من الجمعية أو أعضائها.

في المملكة، عملت الجهات الحكومية على جعل القطاع غير الربحي أحد توجهاتها الاستراتيجية والتنموية، كما أن نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية في مادته (27) نص بإجازته لأي جهة حكومية أو خاصة التعاقد مع إحدى جمعيات النفع العام لإدارة مؤسسة تابعة لها أو تنفيذ بعض مشروعاتها أو برامجها أو خدمتها التي تدخل ضمن اختصاصها ....)، كما يلاحظ دور المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي في المساهمة في تنمية تطوير البيئة التشريعية الداعمة وتنفيذ ممارسات الالتزام لتحقيق نمو هذا القطاع.

في الوقت الذي تسعى فيه التشريعات الحكومية لتوضيح أهمية الامتثال والالتزام والشفافية والإفصاح لرفع نسبة مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي، يقع على عاتق القيادات في الجمعيات مسؤولية الحرص على الاستعانة بالمختصين في كافة المجالات اللازمة لتضمن اتخاذ قرارات تشاركية تخدم المصلحة العليا للجمعية، ولرفع ثقة المجتمع بإسهامات الجمعية، ولتكون مستدامة، فعّالة ومحققة لأهدافها.


t_alqahtani9@