عبدالحليم البراك

حتى لا يؤذيك الإحباط المهني!

الاثنين - 29 يناير 2024

Mon - 29 Jan 2024


ما إن يتألق الشاب في مهنته الجديدة، وما إن يحقق النجاح يتلوه النجاح، حتى نشاهد - بأم أعيننا، وأبيها أيضا - كيف يتساقط هذا الحماس فجأة، وكيف يتحول هذا الشاب من نار موقدة من العمل الدؤوب، إلى كتلة من التجمد الوظيفي والإحباط المهني، ولا تكاد تسأل عنه حتى يقال لك: «إن صاحبك المتألق ليس كما كان، فقد تغير وأصبح مثلهم!».

ورغم أن هذا الشاب هو ذات الشاب في فكره وعقله وحيويته، إلا أن ثمة ما جعله كذلك، ولأنه لم يعِ أنه سيواجه سيلا من المحبطات، فقد وقع في محبط واحد أو أكثر من الإحباط المهني، وبعض تلك المحبطات هو مسؤول عنها وأخرى ليست كذلك، أما ما هو مسؤول عنه، فإن عليه تغييره، لكن ماذا عن تلك المحبطات المهنية التي ليس له يد فيها، كيف يتعامل معها حتى يتجاوز محنة الإحباط الوظيفي؟!
«العالم يتغير»، وهذه الجملة لا تحبطك لكنها تجعلك تتفهم أن جزءا من مسببات الإحباط لديك أن العالم يتغير من حولك.

فذلك الناجح في منصة ما، وحقق جماهيرية عالية، وتقديرا عاليا جدا من الناس، تحول الناس من هذه المنصة التي أبدع فيها إلى منصة أخرى، ففقد جمهوره وإبداعه وألقه، فأصابه الإحباط بدلا من أن يستمر في تقدير ذاته والسير فيها بثقة، سواء لحظ الناس نجاحه أو لم يلحظ ذلك أحد، فتقديره لنفسه في داخله يجب أن يتزايد!
«الحظ معك مرة وعليك ألف مرة»، في لحظة ما يعجب المدير في شاب صغير فيبرز في العمل، ويتدرج بشكل مذهل ويحقق النجاح تلو الآخر، ليس بحكم ذكائه، أو حتى بحكم ذكاء مديره (كم من ذكي لم يلحظه مديره!)، ولكن بحكم الحظ الذي سخّر له مديرا ينتقيه من بين الجموع.

إذن، للحظ دور في النجاح، أما دوره في تفهم الإحباط المهني، فإن لم يحالفك الحظ فتقبل هذا، وليبارك لذاك، وليؤمن بأن جزءا من منظومة النجاح أن تصادف حظا ألقا!
«التألق لا بد أن ينتهي»، نادر جدا أن يتألق الناس في حياتهم من أول يوم وحتى آخر يوم، بل الغريب جدا أن معظم فلاسفة العالم تألقوا بعد مماتهم، ولم يشهدوا بروزهم مطلقا.

ومهما يكن من أمر، إن تألق الشاب في وقت ما، فيجب أن يعرف أنه قد لا يستمر تألقه، ولا يبرز نجمه طوال الوقت، واللاعب في كرة القدم قد تستمر لياقته معه وحضوره وشغفه في الملعب، ولكن التألق الذي يرنو إليه جمهور كرة القدم، قد لا يكون حاضرا في كل مباراة، فيصاب بالإحباط المهني، ليس لشيء، لأنه صار يعتقد أن التألق لا ينتهي!
«حسابات أخرى»، عندما يتم دعم شاب معين، جدير بالدعم أو غير جدير بالدعم، من مجموعة من العاملين في المنظمة، فإن يحصل على ذلك – أحيانا – ليس لأنه جدير بالدعم – بالضرورة - بل لأن ثمة حسابات أخرى، فتوصية جاءت له، أو ليكون سوطا ليضرب آخرين، أو أنه وسيلة وصول أحدهم إلى مكان جدير به، أو أن يتم دعمه بترقيته حتى يزول من طريق من هو أهم منه، أو لأي سبب آخر من تلك الحسابات الأخرى الخارجية التي لا تتعلق بقدراته.

إذن، قد يصيب بعض الشباب الإحباط المهني، لأنه ثمة من يسير بخطى متسارعة محتلا مكانته بينما لم يحصل هو على الدعم المناسب، وإن كل ما حدث تم بموجب «حسابات أخرى»، لذلك على الشاب ألا يحبط بل يفهم ويتفهم!
شيء آخر يقي الشباب المهني من الإحباط، هو «أن رأي الآخرين بك لا يمثل حقيقتك»، فأنت مسؤول عن نفسك، وهم مسؤولون عن نظرتهم إليك، ويطيب لي أن أعرض هذا المثال دوما: لو سألت ميكانيكي عن شاعرية المتنبي، فحتما لن يراه شيئا مؤثرا في الحياة، بينما صديقه إبراهيم الأفضل على الإطلاق «في تغيير فحمات سيارة جديدة» أكثر تأثيرا في العالم!
وحتى تحقق - عزيزي الشاب - التوازن، كن في مأمن من الغرور، فالحق بين النقيضين!، بين أن رأي الآخرين الذي قد لا يصفك بإنصاف، وبين الغرور الذي تعتقد أن ثمة شيء هو فيك وهو ليس كذلك، أو موجود فيك وتزهو به حد الضرر عليك!
أخيرا، ثمة موازنة ذكية بين القناعة في داخلك بمهنتك وأدائك، وبين عدم الغرور ورمي فشلك على الآخرين.

وبين أسباب خارجية تدعو لليقين وعدم القلق والطمأنينة المهنية، وبين أن تكون خاليا من الموهبة والاجتهاد وترمي ذلك على أسباب خارجية.

وموازنة أخرى بين عقلك الذي يكشف الأسباب وينتقدها ويضعها في موضعها الصحيح، ثم يتخذ موقفا متصالحا يملؤه الإيمان بالأقدار، وبين موقف آخر متذمر من الدنيا وعدم انصافها للمجتهد، وأنها ليست سوى ميزان يكيل بمكيالين!


Halemalbaarrak@