بشرى فيصل السباعي

بإمكانك تغيير أقدارك غير السعيدة

الاحد - 28 يناير 2024

Sun - 28 Jan 2024


من أغرب المفارقات أن الديانة الوحيدة في العالم التي فيها نصوص قطعية تثبت أن الإنسان يمكنه تغيير أقداره، أهلها هم أكثر ناس في العالم يتصرفون كما ولو أن دينهم يقول بالجبرية القدرية، أي أن الإنسان مجرد ممثل يؤدي دورا كتب له مسبقا وهو لا يمكنه فعل شيء لتغيير واقعه وأحواله التي تسوؤه إلى تلك التي يتمناها، وهذا سبب انتشار السلبية واللامبالاة في الثقافة العامة السائدة في العالمين العربي والإسلامي، قال تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) [الرعد: 39].

ذكر القرطبي في تفسيره وأيضا ابن كثير والطبري في تفسيرهما «أن عمر بن الخطاب كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول: اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فامحني وثبتني في أهل السعادة والمغفرة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب.

وقال ابن مسعود: اللهم إن كنت كتبتني من السعداء فثبتني فيهم، وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني في السعداء فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. وقال كعب لعمر بن الخطاب: لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة «يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب».

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزيد في العمر إلا البر ولا يرد القدر إلا الدعاء وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه». صحيح ابن ماجه.

وقال: «إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء». رواه الحاكم. وقال: «.. وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان - يتصارعان - إلى يوم القيامة» رواه الحاكم.

كل تلك الأحاديث تدل على إمكانية تغيير الإنسان لأقداره بالدعاء، والخطاب الديني، إما أن يكون خطابا فيه روح الجبرية القدرية، ويؤدي بذلك لإخماد جذوة روح الإنسان وتسويغ الخمول والكسل والسلبية والتواكل واليأس والقبول بالتعاسة وهذة النسخة من الخطاب الديني هي التي وراء العبارة الشهيرة لكارل ماركس «الدين أفيون الشعوب»، أو يكون خطاب أمل وتقوية للروح المعنوية وإشعار الإنسان بالتمكين والقدرة على فعل المستحيل حتى تغيير الأقدار فيحيي بذلك موات النفوس ويبعثها إلى الجد والاجتهاد في ذات الوقت الذي يقوي به إيمان الإنسان؛ لأنه سيسعى إلى إمله وطموحه وأحلامه بلسان الحال وأيضا بلسان المقال بالدعاء «إن كنت كتبتني في أهل السعادة فثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة فامحني وثبتني في أهل السعادة».

وحتى من يريد تحقق دعائه وقضاء حوائجه بسرعة فهو لا يخالف مرضاة الله، فمن أسماء الله الحسنى، «المقدم والمؤخر»، فهو يمكنه أن يدعو الله بتقديم وتعجيل حاجته، فلا يوجد مستحيل بالنسبة لله تعالى، والإنسان عليه العمل بالأخذ بالأسباب مع الدعاء بكل ما يريده، بينما للأسف يأتي الخطاب الديني الذي يرسخ حس الجبرية القدرية ويجعل الناس يشعرون كأنهم يقترفون معصية عدم الرضا بقضاء الله إن سألوا الله زوال كربهم مع أن الأحاديث النبوية تحث على الدعاء للوقاية من الأقدار التي لا تسر الإنسان «وقني شر ما قضيت» صحيح الترمذي.

من أهم بنود تجديد الخطاب الديني تغيير خطاب الجبرية القدرية إلى خطاب إشعار الإنسان بالفاعلية والتمكين والقدرة على صنع المستحيل وتغيير الأقدار وتحقيق السعادة بالدارين، وفيزياء الكم دخلت في الجدل حول القدر ودور إرادة الإنسان في التأثير عليه وتغييره كما في نظرية «تأثير المراقب» التي تقول إن الجسيم يكون في عدة أحوال ممكنة في ذات الوقت ومجرد مراقبة الجسيم يؤدي لتغيير في حاله ويصبح على الحال الذي يوافق نية أو إرادة المراقب.

وحسب شهادات من ماتوا مؤقتا NDE وخرجت أرواحهم من أجسادهم بعد توقف قلوبهم وأدمغتهم عن العمل قبل إنعاشهم وعرضت عليهم أقدار حياتهم رؤوا أن الأقدار هي عدة خيارات ممكنة، وإرادة واختيار الإنسان يؤدي للقضاء بتحقق أحدها وليست هناك جبرية قدرية، وهذا يجب على التساؤل القديم في الفقه الإسلامي حول الفارق بين القضاء والقدر.