عبدالله علي بانخر

تنظيم الإعلام السعودي: مزيد من الإيضاح

الثلاثاء - 09 يناير 2024

Tue - 09 Jan 2024


إلحاقا لما طرحته في المقال السابق من أفكار ومقترحات وإيضاحات في توصيف الوضع الحالي، واستكمالا لموضوع يطول شرحه وتفصيله خاصة بعد طول مدة البقاء في غرفة العناية المركزة أو الإنعاش (إن عاش) قبل الشفاء - بإذن الله - أو قبل إطلاق رشقات الرحمة - لا سمح الله - لبعض المؤسسات الصحفية والإعلامية في داخل المملكة العربية السعودية، وكذلك الحال في بقية الدول الأخرى إقليميا ودوليا؛ لذا أبدأ مقالي هذا بما انتهيت إليه في المقال السابق، فقد وصفت أن عملية إعادة هيكلية أو تنظيم الإعلام السعودي في الداخل وبما يتواكب من تطلعات المملكة في رؤية 2030م أمر ليس بالسهل، ولكنه أيضا ليس بالمستحيل؛ لذا خصصت هذا المقال تحديدا للمزيد من الإيضاح لهذه العبارة التي ملخصها أو مفادها أن عدم السهولة أي الصعوبة لا تعني بالضرورة عدم الاستحالة أي الإمكانية - بإذن الله - للوصول إلى حلول مرضية وبنسب عالية وفي أسرع وقت ممكن، خاصة وأن هناك نماذج دوليا وإقليميا تجاوزت هذه الأزمة منذ عدة سنوات..

ولعلي هنا أود التركيز على عدد من الأمور الرئيسة الهامة وهي للإيضاح كالتالي:
1 - لا يوجد حل واحد يتناسب مع جميع الحالات بالنسبة لكافة المؤسسات الصحفية والإعلامية على حد سواء وبشكل جمعي أو جماعي مشترك ينطبق على الجميع.
2 - كل مؤسسة صحفية أو إعلامية بالطبع لها خصوصيتها، وبالتالي لها فرصها أو حلولها المختلفة وكذلك تحدياتها أو مشاكلها المتعددة التي يجب التعامل معها بدقة وحذر شديدين.
3 - قد تكون هناك قواسم مشتركة لأغلب المؤسسات الصحفية والإعلامية عادة المرتبطة بطبيعة وخصائص كل وسيلة إعلامية على حدة مجتمعة أو مشتركة.
4 - على سبيل المثال لا الحصر معظم المؤسسات الصحفية تعاني استثماريا واقتصاديا وماليا وفنيا من عمليات الطباعة والنشر والتوزيع والتسويق والترويج والإعلان وربما غيرها من عمليات الصحافة المتعددة.
5 - تبقى صناعة المحتوى هي الأساس ونقطة الارتكاز لجميع المؤسسات الصحفية والإعلامية بأشكالها المختلفة سواء كانت المادة المنتجة ورقيا أو رقميا أو حتى إذاعية بالراديو والتلفزيون والشاشات والمنصات عبر وسائط متعددة تقليدية وغير تقليدية.
6 - اعتمادا على صناعة المحتوى بأشكاله المختلفة ووسائطه المتعددة كمحور ارتكاز أو نقطة انطلاق أو مصدر إشعاع يمكن على أساسه النظر للحلول والفرص والإمكانات قبل المشاكل والأزمات والتحديات حول الخدمات المطلوبة لاستثمار - ولا أقول الاستغلال - لتحقيق أفضل استثمار ممكن ومتاح مع استدامة متوسطة وطويلة الأجل.
7 - التعاون المشترك في استثمار الفرص الممكنة قبل المتاحة في تقديم باقات متميزة ومتعددة من تحقيق معادلة الفوز / الفوز Win /Win للجميع بعد أن كان للأسف الشديد سياسة الفوز لفريق والخسارة لفريق آخر Win/ Loss وهكذا بالعكس أيضا في تنافس سلبي مقيت يقود الأغلبية إلى الهاوية.
8 - أكرر الحلول السابقة لا تصبح لها قيمة حقيقية دون النظر في أساليب أو عمليات الدمج الكلي أو الجزئي بشكل متكامل في داخل وخارج المؤسسة ذاتها أو الاستحواذ الأفقي والرأسي للعمليات المختلفة قبل النظر ثم الشروع في الإغلاق للبعض منها لا قدر الله.
9 - من الصعب التكهن أو التنبؤ بحلول قويمة على المدى المتوسط أو البعيد دون دراسات جدوى اقتصادية لكل وسيلة على حدة وكل مجموعة وسائل مجتمعة بأسلوب متميز ومعاصر مع استشراف المستقبل، ولا أقول أسلوبا فريدا فلا يجب إعادة اختراع العجلة، والأمثلة الناجحة موجودة إقليميا وعالميا.
10 - تبقى المصداقية الواضحة والشفافية العالية والحقيقة الدامغة كأساس معلوماتي سليم لأي عمليات إنقاذ مطلوبة لهذه المؤسسات وأركز على عدم المفاجآت غير السارة أو أن تكون قد أملتها الفترات السابقة لتلك المؤسسات بطرق مختلفة.

ولا يخفى على أحد تواجد العديد من الاستثمارات السعودية الصحفية والإعلامية المتميزة في مؤسسات محلية وإقليمية وعالمية حققت نجاحات كبيرة مثل المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق ومجموعة آرا الإعلامية MBC ومجموعة راديو وتليفزيون العرب ART ومجموعة روتانا Rotana ومجموعة أوربت وشوتايم OSN وبالتالي يمكن الاستفادة من تجارب تلك المؤسسات كأمثال أو أطراف تعاونية أو استثمارية مشتركة قابلة للتوسع والاستمرارية والاستدامة.

وقد لا أخفي سرا أن أغلب تلك المؤسسات باستثناء المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق وربما مجموعة آرا للوسائل الإعلامية MBC كانت تسعى في فترة من الفترات إلى امتلاك مطبوعة (جريدة أو مجلة) أو ربما قناة إذاعية (راديو أو تليفزيون) أو حتى وسائل إعلانات خارجية وداخلية في الطرق والمنشآت والمباني الكبرى أو غيرها، أو العكس تماما أيضا صحيح لأغلب المؤسسات الصحفية والإعلامية، وقد تحقق ذلك للبعض في فترات معينة، وفي الانتظار مؤسسات إعلامية متكاملة استخدام الوسائل المختلفة والوسائط المتعددة تنتج محتوى إعلاميا رصينا تنشره وتبثه وتوزع للجماهير المختلفة متعددة الخصائص والسمات بأقصي درجات الجودة والنجاح.

ويذكر الأستاذ الدكتور محمد الحيزان بأن الأسلوب «الأمثل والأنجح والأنجع هو الجمع بين الأسلوبين السابقين (الدمج والاستحواذ) في منظومة تحتوي مرتكزات ومكتسبات الماضي الإيجابية فقط مع الانطلاق بتطورات حديثة نحو آفاق أرحب ومجالات أوسع وقدرات أكثر تأثيرا وأثرا».

وان كنت أتفق معه بكل تأكيد، ولكن ربما أضيف أو أزيد ولا أزايد من خلال منظور أوسع بتعددية الأساليب المختلفة من كل الأساليب الممكنة والمتاحة مع مراجعة النماذج الناجحة حولنا محليا وإقليميا وعالميا من تقدير أو مراعاة الخصوصية السعودية الفريدة.. والتي قد أسيئ استخدامها في السابق -للأسف الشديد- مراعاة للتكيف في صراع حثيث بين التجديد والتطوير ضد الجمود وتحدي التغيير الإيجابي بإذن الله.

الأمل معقود على خمسة محاور أو أطراف رئيسة للخروج من مأزق الوضع الحالي المستفحل:
- رؤية المملكة الطموحة 2030م وما تطرحه من تطلعات سباقة تحقق جزء كبير منها قبل انتصاف عمرها الزمني.
- هيئة تنظيم الإعلام لإيجاد بيئة تشريعية ونظامية وقانونية تلبي احتياجات المملكة العربية السعودية من خلال رؤية 2030م.
- المؤسسات الصحفية الإعلامية الحالية المنوط بها تحقيق السياسات والغايات الإعلامية للمملكة من خلال مؤسسات متطورة تواكب متطلبات العصر والمستقبل على حد سواء من النواحي الفنية والتقنية.
- المؤسسات الاستثمارية والاقتصادية والمالية المختلفة والشركات والمؤسسات الكبرى في الداخل السعودي أو حتى الخارج إذا لزم الأمر، على سبيل المثال وليس الحصر مثل صندوق الاستثمارات العامة والبنوك السعودية والشركات الكبرى مثل أرامكو وشركة الاتصالات السعودية وغيرها كثر، ولنا في قطاع الرياضة الأسوة الحسنة فيما يتعلق بالأندية في المملكة قبل حين.
- مؤسسات الرصد الإعلامي المتخصص لوسائل الإعلام السعودية في الداخل والخارج وكذلك التدقيق المحاسبي والمالي وما تملكه من معلومات دقيقة ومدققة عن هذه الوسائل بشكل احترافي ومهني عالي الجودة النوعية.
ومع بدايات عام جديد 2024م نتطلع جميعا إلى كل التوفيق والسداد للأطراف الخمسة السالفة الذكر مجتمعة في تحقيق ما نصبو إليه جميعا من إعلام يتناسب مع إمكانيات وقدرات المملكة العربية السعودية.. والله ولي التوفيق والسداد.


aabankhar@