علي المطوع

ماذا بعد مشروع الإبادة في غزة؟

الاحد - 07 يناير 2024

Sun - 07 Jan 2024


مخطئ من يظن أن عملية (طوفان الأقصى) كانت السبب الأول والوحيد الذي جعل إسرائيل تمارس تلك المنهجية المتوحشة في عدوانها على غزة، منهجية لا إنسانية تستبيح الدماء والأعراض في سبيل تثبيت واقع جديد على الأرض حتى لو كان الثمن غزة؛ أرضا وشجرا وحجرا وإنسانا.

التاريخ يعيد نفسه، فقبل الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، كانت الحكومة الإسرائيلية الليكودية في ذلك الوقت تبحث عن مبرر لتنفيذ مشروعها المتمثل في ترحيل المقاومة الفلسطينية وتأمين منطقة عازلة في لبنان تضمن عدم إطلاق صواريخ الكاتيوشا على إسرائيل، كونه كان السلاح الفعال الذي يمتلكه الفلسطينيون في لبنان لمقارعة إسرائيل في ذلك الزمان، وبالفعل وجدت إسرائيل المبرر الكافي لغزو لبنان، فقد كفتها بعض الفصائل الفلسطينية في ذلك الوقت مؤنة البحث عن السبب، فقد قام جناح فلسطيني بمحاولة اغتيال سفير إسرائيل في المملكة المتحدة، العملية باءت بالفشل لكن عملية غزو لبنان من إسرائيل وجدت المبرر الذي عجل بها وسرّع!.

مخطئ أيضا من يرى في أحداث غزة حربا تدور بين جيشين متكاملين أو بينهما شيء من الفوارق البسيطة على مستوى العدة والعتاد، ولكنه عدوان إسرائيلي تجاوز حدود الصراع العسكري ليستهدف المدنيين ومصادر حياتهم وبقاءهم كبشر أولا وأخيرا، وهنا نتساءل عن تلك المصطلحات التي تروج في إعلامنا العربي قبل الغربي، والمتمثلة في مسميات تلك الأحداث، فالجميع يتفق على توصيفها بالحرب، وهي ليست كذلك، فهي مشروع إبادة متكامل، يقابلها حالات فردية لضرب بعض الجنود الإسرائيليين بأعداد وإن كانت كبيرة بالمقاييس الإسرائيلية إلا أنها تظل قاصرة على تغيير الواقع العسكري في الميدان.

على الجانب الفلسطيني وتحديدا حماس، يبدو أن قرار المواجهة يؤخذ من الداخل وأن الجناح السياسي في الخارج يتماهى مع الأحداث ويحاول الانسجام معها، مع أن المنطق يقول إن العكس هو الذي كان يجب أن يكون، وهذا يفسر حالة ردات الفعل المتأخرة في مواقف الجناح السياسي والذي أصبح يلاحق الأحداث ولا يستطيع سبقها كونه لا يملك قرار المواجهة ولا يعلم توقيت بدايته ولا نهايته!.

على الجانب العربي تظل مصر وقطر هما الدولتان الأكثر قربا من حماس، فمصر بحكم الجغرافيا والتاريخ، والثانية تعتبر الطرف الأكثر تداخلا وتدخلا داخل الأجنحة العسكرية في غزة، والأكثر دراية بما تريده تلك الفصائل وإسرائيل، والتجارب الدموية السابقة تشهد أن مصر وقطر قد نجحتا في ذلك كثيرا.

الوضع اليوم مختلف، فورقة الأسرى الإسرائيلين أثقلت كاهل المقاومين في غزة، كون حياتهم والمحافظة عليها أمرا في غاية الأهمية، وإن كانت الأحداث الجارية تثبت مدى صعوبته، في ظل الوحشية والهمجية التي تمارسها إسرائيل دون تمييز بين ضحاياها والآخرين، حتى أنها طالت بعض الأسرى في أماكن أسرهم، فهذه الورقة تظل ورقة مهمة على طاولة المفاوضات، لكن الجانب الإسرائيلي مازال يمضي قدما في مشروعه التدميري، وحتى توقيتات إيقاف العدوان من جانبه، والتي تسمى خطأ بالهدنة، لتحرير بعض أسرى الجانبين، يكون هدفها دائما الداخل الإسرائيلي للتنفيس عن حالة الغضب التي يشعر بها تجاه نتنياهو وحكومته المتطرفة، وهنا تصبح هذه الورقة في صالح إسرائيل أكثر من كونها وسيلة لتخفيف عبء العدوان على غزة وأهلها.

نخلص من هذا أن العدوان الإسرائيلي على غزة لم يكن ردة فعل لأحداث السابع من أكتوبر، بل هو شيء مخطط له من قبل، والوضع في غزة ليس صراعا عسكريا بين جيشين نظاميين، بل هو اندفاع إسرائيلي متوحش لتغيير واقع غزة والدفع بأهلها خارج قطاعهم الصغير لتشكيل واقع جديد يعطي إسرائيل أفضلية قادمة في اختيار أهدافها التوسعية في المنطقة، أما حماس فمضطرة إلى القتال كونه الخيار الوحيد الذي يبقيها في أي معادلة تسوية قادمة وخاصة أن إرهاصات تلك العملية تثبت أن هذا الفصيل قد دفعته الظروف إلى واجهة الأحداث، في توقيت يبدو ظاهريا أنها من حددته، لكن التداعيات والمتغيرات على الأرض -حتى الآن- تثبت أنه كان الأنسب للغرب ولخططه ولوكيلته في المنطقة إسرائيل.

ويبقى السؤال: من يستطيع وقف هذه الإبادة الجماعية التي تستهدف أهلنا في غزة ومن يتحمل مسؤولية الأوضاع المأساوية فيها؛ بدءا من عملية السابع من أكتوبر النوعية والتي مرغت سمعة الجيش الذي لايقهر في الوحل، مرورا بما تفعله إسرائيل الآن، وصولا إلى التسويات القادمة التي ستفرض حتما على المنطقة العربية الضعيفة وشعوبها المستضعفة؟.


alaseery2@