عبدالله علي بانخر

الرابح في معركة غزة الإعلامية: الوسائل التقليدية أم الرقمية؟

الأربعاء - 13 ديسمبر 2023

Wed - 13 Dec 2023

تزداد أهمية المعلومة عندما تكون صحيحة ودقيقة وموثوقا بها ويعتمد عليها ومدققة من غير ذي مصلحة ومعلنة من طرف محايد، وخير دليل على ذلك تكرار الأخطاء في التصدي للأزمات والإشكاليات والأحداث المؤلمة، خصوصا فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي عبر قرابة 8 عقود من الزمان.

وتظل الحقيقة رهينة للمعرفة ويبقى الفكر حبيسا للمعلومة والأرقام التي تبنى عليها الآراء ووجهات النظر المختلفة، وهنا تبرز بجلاء أهمية البحوث والدراسات والاستطلاعات في توفير ذخيرة المعرفة الحقيقية وزناد الفكر القويم ووقود الرؤى الصائبة من معلومات وأرقام.

والمتابع للأحداث الجارية حاليا والوقائع الأليمة المؤسفة للغاية وخصوصا فيما يتعلق بوسائل الإعلام المختلفة من تقليدية وغير تقليدية واقتصاديات هذه الوسائل ومقدراتها ومداخيلها على وجه التحديد، يدرك أنه كلما زادت الساحة الإعلامية اشتعالا واستشعارا، كلما زادت المنافسة الشرسة على المتلقي بصفة عامة والمشاهد التلفزيوني بوجه خاص، في كل مكان بالعالم وفي عالمنا العربي المعاصر على وجه التحديد، على الرغم من تزايد تقنيات المعرفة ووسائط الاتصال وأساليب العلم والمعرفة.القضية الفلسطينية رغم عدالتها إلا أنها دائما ما تفتقر إلى توحد الرؤى وتجمع الجهود وتثبت الخطى، ومثلما وجه العدو الصهيوني الإسرائيلي أرتالا من غضبه على غزة عبر أكثر من 75 عاما وليس فقط الآن، نجد الجماهير في العالم بأسره والعربي على وجه الخصوص معلقة أو مشدودة أو ملتصقة للمتابعة عبر شاشات التلفزيون وبقية وسائل التواصل المتاحة.

وهكذا تؤكد الأحداث رغم ألمها المرير ودمويتها المستفزة أن المشاهد أينما كان سيجد نفسه مشدودا ومشدوها للأخبار من مصادرها المختلفة وفقا لاختياراته الموثوق بها أو حتى غير الموثوق بها، هنا تجدر الإشارة إلى أهمية المصدر قبل الخبر.

وبالرغم من كافة العوامل الانتقائية الإنسانية المقدرة إلا أن العقل الجمعي كثيرا ما يتجه أو يحاول العاقل اللجوء إلى المصادر الرصينة والتي في أغلبها حتى الآن وسائل تقليدية مثل وكالات الأنباء أو شاشات التلفزيون أو الإذاعات بالراديو أو الصحف سواء الجرائد أو المجلات، بعيدا عن الشبق المستشري من تلقف أي محتوى من وسائل غير تقليدية رقمية، والتي غالبا ما تتجه إلى التفتيت أو التشرذم أو المجهولية في تغييب المعلومة، وغياب المعلومية للمصدر والمقصد، إلا من رحم ربي طبعا.

من هذا المنطلق وبعيدا عن التكهنات الانطباعية تبرز أهمية دراسات المشاهدة التلفزيونية أو المتابعة الإعلامية مجددا مع كل أزمة ومع كل فرج في الحل أو فرصة متاحة للاستفادة، لقد تكالبت في المنطقة العربية شئنا أم أبينا الأزمات والمشاكل والمحن، ونتطلع دائما ونادرا إلى بارقة الأمل والفرص والفرج ونحمد الله على كل حال ونسأله أن يجنب العالم أجمع ويلات الحروب والنكبات والأزمات.

وتظل المعلومة هي الغاية المنشودة والرقم الصحيح هو باعث النور ومحيي الأمل، وهناك العديد من المصادر العالمية مثل شركات البحوث في العالم بأسره والمنطقة العربية الإقليمية مثل نيلسون Nielsen وإبسوس IPSOS وغيرها، وكذلك المصادر المحلية مثل شركة التصنيف الإعلامي MRC في السعودية لمتابعة ورصد المشاهدة التلفزيونية بدقة عالية وعبر أجهزة قياس المشاهدة، وقد أحسنت شركة التصنيف الإعلامي MRC مؤخرا في نشر بعض التقارير الخاصة عن المشاهدة التلفزيونية في السعودية سواء للمواطن أو المقيم العربي بنشر بعض المعلومات القيمية والآنية.

معلومات وأرقام ومؤشرات هي الأقرب للواقع وللحقيقة وللمعرفة حتى الآن من وجهة نظري المتواضعة، وفيما يلي بعض هذه الأرقام ولكل رقم بالتأكيد دلالاته ومؤشراته وتساؤلاته أيضا، ولكن قبل الحديث عن السوق السعودي تحديدا يجب الوقوف على المؤشرات العالمية أولا:
  1. وفقا للإحصاءات العالمية العديدة يزيد عدد مشاهدي التلفزيون في العالم إلى ما يزيد عن 5.5 بلايين مشاهد في عام 2023م من إجمالي عدد سكان العالم الذي بلغ 8.1 بلايين نسمة، أي نسبة 68% من سكان العالم يشاهدون التلفزيون وبكل تأكيد هناك علاقة طردية وثيقة بين مشاهدة التلفزيون ومعرفة القراءة والكتابة وكذلك مستويات التعليم المختلفة.
  2. تقدر نسبة مشاهدي التلفزيون على الشاشات التلفزيونية العامة أو الجماعية إلى ما نسبته 63.4% والنسبة المتبقية تشاهد برامج التلفزيون عبر الهواتف الجوالة وأجهزة الكمبيوتر المختلفة وتقدر بـ 36.6% في عام 2023م.
  3. تتركز أغلب دراسات المشاهدة التلفزيونية على مشاهدات الرجال البالغين ما فوق 15 عاما خاصة في مشاهدة نشرات الأخبار والبرامج الإخبارية أكثر من النساء ما فوق 15 عاما في العادة بنسب ملحوظة.
  4. لا تزال الوسائل التقليدية مثل تلفزيون وراديو وصحف ومجلات تتفوق من حيث المصداقية علي الوسائل الرقمية غير التقليدية وذلك كمصادر موثوق بها ويعتمد عليها في نقل الحقيقة كلما أتيح لها ذلك.
  5. يشوب الوسائل الرقمية غير التقليدية الكثير من اللغط وعدم المصداقية والأخبار المزيفة بنسب أكبر من التقليدي منها مقارنة بالوسائل التقليدية علاوة الازدواجية المعايير والتحيز الواضح لبعضها.
  6. تجدر الإشارة هنا إلى أهمية التمييز بين المعلومة والرقم وبين الرأي ووجهة النظر والتحقق من خصائص الأرقام والمعلومات.
  7. تلتزم أغلب الوسائل الإعلامية سياسات واضحة واتجاهات محددة بين العقلانية المتشددة والوجدانيات المفرطة في التأثير على المتلقي وهو أمر نسبي تراكمي مستمر لا يأتي فجأة أو بشكل وقتي متردد.
  8. لقد فقدت أغلب القنوات العالمية الإخبارية المتخصصة في قطاع الأعمال مثل MSNBC الأمريكية حوالي 33% من مشاهديها مع بدايات أسابيع الحرب الإسرائيلية على غزة لصالح القنوات والوسائل الإخبارية التقليدية للأحداث العامة.
  9. زاد عدد المستمعين للإذاعة بالراديو لمتابعة الأخبار السياسية حول العالم بشكل ملحوظ.. فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك زيادة تقدر بـ 17% في الإذاعة الوطنية العامة NPR في أمريكا خلال فترة الحرب الإسرائيلية في فلسطين.
  10. أوقفت أغلب القنوات الإخبارية برامجها المعتادة وركزت في متابعة أخبار الحرب في غزة بعضها استفاد من قنوات باقة أو شبكة قنوات مثل ما حدث من قناة العربية التي نقلت برامجها الأخرى خصوصا الاقتصادية أو الرياضية لقنوات شقيقة مثل الحدث وغيرها أو حتى تم استحداث قنوات أو منصات أو تطبيقات متطورة متخصصة.
  11. ولا يفوتني أن أنوه هناك إلى تكاليف نقل الأخبار وخصوصا الحروب من أغلى التكاليف خاصة وأنه لا يمكن للإعلان مصاحبتها أو التواجد في البث والنشر للأحداث الدامية.
  12. سريعا ما تفقد وسائل الإعلام التقليدية خصوصا التلفزيون مصداقيتها بعد الأزمات والمشاكل الدولية نتيجة لمواقفها المتباينة قربا أو بعدا من الحقيقة النسبية.
وفيما تقدم المؤشرات العالمية استعراضا استباقيا بنظرة الطائر المحلق على المشهد العالمي والإقليمي لوسائل الإعلام في العالم، ويتفق في معظمه مع ما يحدث في المنطقة العربية ككل وكذلك في المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، ولقد اطلعت على عدد من التقارير الخاصة لقياس المشاهدة التلفزيونية في المملكة، لكنها غير متاحة بعد للإفصاح والنشر على العلن، ولعل من أبرز ملامح هذه المؤشرات في السوق السعودي على وجه الخصوص كالتالي وفقا لتقارير نيلسون Nielsen والشركة الإعلامية للتصنيف MRC في أكتوبر 2023م:
  1. هناك زيادة ملحوظة في متابعة الأخبار بالنسبة للسعوديين (رجال ونساء) فوق 15 عاما في 7 أكتوبر 2023م عن متابعة أسبوعين سابقين، من 4988 إجمالي نقاط قياس GRP الى 10925 إجمالي نقاط قياس GRP بنسبة زيادة تقدر بـ 119%.
  2. هناك زيادة ملحوظة أيضا في متابعة الأخبار بالنسبة للمقيمين العرب (رجال ونساء) فوق 15 عاما في 7 أكتوبر 2023م عن متابعة مماثلة قبل أسبوعين سابقين، من 11077 إجمالي نقاط قياس GRP إلى 31430 إجمالي نقاط قياس GRP بنسبة زيادة تقدر بـ 184%.
  3. هناك زيادة ملحوظة في متابعة الأخبار بالنسبة للسعوديين من الرجال فوق 15 عاما في 7 أكتوبر 2023م عن متابعة أسبوعين سابقين من 5726 إجمالي نقاط قياس GRP الى 12899 إجمالي نقاط قياس GRP بنسبة زيادة تقدر بـ 125%.
  4. هناك زيادة ملحوظة في متابعة الأخبار بالنسبة للمقيمين العرب من الرجال فوق 15 عاما في 7 أكتوبر 2023م عن متابعة أسبوعين سابقين من 11483 إجمالي نقاط قياس GRP إلى 31267 إجمالي نقاط قياس GRP بنسبة زيادة تقدر بـ 172%.
  5. هناك زيادة ملحوظة في متابعة الأخبار بالنسبة للسعوديات من النساء فوق 15 عاما في 7 أكتوبر 2023م عن متابعة أسبوعين سابقين من 4236 إجمالي نقاط قياس GRP إلى 8917 إجمالي نقاط قياس GRP بنسبة زيادة تقدر بـ 110%.
  6. هناك زيادة ملحوظة في متابعة الأخبار بالنسبة للمقيمات العرب من النساء فوق 15 عاما في 7 أكتوبر 2023م عن متابعة أسبوعين سابقين من 10181 إجمالي نقاط قياس GRP إلى 31790 إجمالي نقاط قياس GRP بنسبة زيادة تقدر بـ 212%.
  7. أما فيما يتعلق بأكثر الوسائل التلفزيونية الإخبارية كان النصيب الأكبر لقناة العربية بين السعوديين (رجال ونساء) فوق 15 عاما في 7 أكتوبر 2023م عن متابعة أسبوعين سابقين من 2356 إجمالي نقاط قياس GRP إلى 5121 إجمالي نقاط قياس GRP أي بزيادة تقدر بـ 117%.
  8. أما فيما يتعلق بأكثر الوسائل التلفزيونية الإخبارية كان النصيب الأكبر لقناة العربية بين المقيمين العرب (رجال ونساء) فوق 15 عاما في 7 أكتوبر 2023م عن متابعة أسبوعين سابقين من 270 إجمالي نقاط قياس GRP إلى 1828 إجمالي نقاط قياس GRP أي بزيادة تقدر بـ 213%.
  9. بحسب أرقام الدراسة ظهرت نسبة المشاهدة مرتفعة نسبيا لصالح قناة الجزيرة في مقابل قناة العربية، إلا أن هذه النسبة الجزئية مضللة؛ لأن الأساس الذي اعتمدته قناة العربية أكبر بكثير من الأساس الذي انتهجته قناة الجزيرة.
    وتبقى الدراسات الجيدة تثير العديد من الأسئلة أكثر مما تقدمه من أجوبة بحثا عن الحقيقة المنشودة فيما تقدمه الأرقام لتضيء ظلمات الجهل.. ومع المزيد من الأرقام تتضح الحقيقة بشكل أكثر جلاء وضياء.. وإذا كان العلم نورا فإن الرقم أكثر إنارة.

aabankhar@