عمر العمري

الرخصة المهنية.. وقصة قصيرة

الخميس - 09 نوفمبر 2023

Thu - 09 Nov 2023


يحكى في قديم الأزمان عن رجل ذي مكانة رفيعة، يملك الدنيا بما لا قد يحصره العقل، أصابه مرض خطير، ورفض استدعاء أو الرجوع إلى الحكماء أو الأطباء في عصره لتشخيص مرضه وعلاجه؛ لأنه أسر إليه قولهم أنه سيحتاج إلينا يوم ما، فلما أشتد عليه المرض، أمر أن يؤتى له بأمهات الكتب والمراجع الطبية، وصار يقرؤها واحدا تلو الآخر - وقت من الزمن - ولكنه لم يصل إلى شيء حتى فقد حياته ومات (رحمه الله)، هذه القصة ليست ببعيدة عن واقعنا في اختبارات الرخصة المهنية للوظائف التعليمية، أعتقد أن إجبار المعلمين بالرجوع إلى التراث، والنظريات، وتفسير حدوث التعلم، والمصطلحات المختلف عليها، والفلسفات التربوية القديمة، وتجربة الكلب عند العالم «بافلوف»، ونظرية فرويد عن السعادة في إشباع النزوات والرغبات، ووصولا إلى العالم (ثورندايك) الذي يصر على أن قوانين تعلم الإنسان والحيوان واحدة، وأن الأسماك قد تفوق ذكاء البشر يوما ما، حتى نظرية القرود الخمسة في التعلم.. فأين سنجد أبناءنا بين هؤلاء، هل هذه الطريقة والحواديت هي التي ستصلح التعليم، أم إنها هدر للوقت وللمادة ولجهود الوزارة والمعلمين وهيئة تقويم التعليم ومركز قياس، والسؤال هنا هل نريد من المعلمين استذكار الجانب المعرفي وحفظ الأطر النظرية والمصطلحات القديمة وطريقة تعلم الحيوانات فقط؟
هل حتى الآن لم يتم تقييم التجربة، ومدى الفائدة التي انعكست على أبنائنا في الميدان التربوي، هل عدم وضوح المراجع والمنهج التي تأتي منها هذه الأسئلة هي خلف انتشار الدورات في السوق السوداء وترويج لها وأنها هي الحل الوحيد لتحقيق الدرجة المطلوبة في اختبارات الرخصة المهنية؟ لماذا مصادر هذه الأسئلة مجهولة؟ وهل الأسئلة الملتوية واللف والدوران والتذاكي على المعلمين بزعمهم اقتناص مواطن القصور لديهم والكشف عن ضعف مهاراتهم الصفية هي المقصد، علما أن الكثير منها يفعلها المعلم في الواقع أثناء إدارته الصفية والحصة التعليمية، لكن بسبب الغموض في السؤال لم يصل للحل الصحيح الذي يردونه.

هل الواقع الممارس هو الأصل أم سؤال الرخصة المهنية الملتوي؟ هل الحفظ والترديد هو المنهج المتبع في اختبار الرخصة المهنية للنظريات والمصطلحات من سنة الأربعينيات والخمسينيات الميلادية من القرن الماضي، فحصول المعلم والمعلمة على المعلومة وحفظها هو مربط الفرس والهدف من الاختبار؟
علما أن الاستمرار في هذا الطريق والقرار الذي يحتاج إلى إعادة نظر يؤخر بلا شك البحث أو اتخاذ القرار الصحيح والصائب في تشخيص واقع الميدان التربوي واستهداف مواطن الضعف الحالية عند المعلمين وعلاجها عن طريق البرامج والدورات المتخصصة أو المعسكرات التدريبية المكثفة للممارسات التعليمية أو الاستراتيجيات التدريسية وفق أساليب علمية حديثة وتفعليها فورا في البيئة الصفية للطلاب، وتطوير الطرق المثلى لشرح الدروس بما تناسب مع مناهج الوزارة الجديدة، وتقييم الأثر التدريبي ونواتج التعلم الذي هو الغاية الأساسية من كل عمليات التطوير هذه.

أخيرا، انطلاقا من مبدأ استمرارية التطوير يجب إعادة النظر في اختبارات الرخصة المهنية والاتجاه نحوى التشخيص الحقيقي للاحتياجات التدريبية والمهنية لدى المعلمين وتطويرها وفق الواقع الممارس والأساليب الحديثة العالمية واحتياجات أبنائنا التعليمية في هذا القرن.