ياسر عواد المغامسي

ومضة مع بداية عام دراسي جديد 1445هـ

الأربعاء - 16 أغسطس 2023

Wed - 16 Aug 2023

مع اقتراب انطلاقة كل عام دراسي جديد نبدأ في رسم تطلعاتنا وأمانينا، ويتفاءل الجميع بأن يكون هذا العام الدراسي عاما دراسيا مليئا بالنجاحات والإنجازات، وهذا يتطلب منا معالجة وإعادة النظر لما يعتري العملية التعليمية من مفاهيم ووجهات نظر غير مناسبة. ولعلي في هذه المقالة أستحضر ثلاث نقاط لتوضيح فكرة معينة أرى أنه من المناسب النظر إليها بعين الاعتبار، ووجهة نظر جديرة بالتجربة والتطبيق، ولعل توقيت انطلاقة العام الدراسي خير بداية لها.

النقطة الأولى: قوله تعالى «فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما». يقول العلماء: قدّم الله صفة الرحمة على صفة العلم في بيان صفة الخضر عليه السلام، الذي أرسله الله ليعلم موسى عليه السلام، وفي هذا دلالة واضحة على أن من أهم صفات المعلم الرأفة والرحمة بالمتعلم.

الثانية: في لقاء للمفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود، وفي حديثه عن سيرته الذاتية، تكلم عن بداية دخوله للمدرسة، وكيف أنه رسب في الصف الأول الإعدادي ثلاث سنوات متتالية، بسبب وجود معلم كان يحمل العصا دائما ويصرخ في وجوه الطلاب، فكان يخافه كثيرا مما أدى إلى رسوبه المتكرر، وبعد أن تجاوز هذا الخوف أصبح من المتفوقين دراسيا، بل من عباقرة العلم.

الثالثة: قراءة في كتاب مترجم بعنوان (التعليم التحويلي في عصر المعلوماتية)، وتقوم فكرة التعليم التحويلي لتكون بديلا عن التعليم المعلوماتي، لأننا ببساطة لا نستطيع مجاراة تدفق المعلومات، لأنك في اللحظة التي تحدد فيها نظاما ومعلومات وأنماطا وسلوكا، فإن كل ذلك يصبح عديم الفائدة لأن كثيرا منها يكون قد تغير، فالتعليم التحويلي هو التعلم الذي يُحدِث تحولا في رؤية وفهم الإنسان للأشياء والتجارب التي يمر بها، وهو بذلك يختلف عن التعلم الذي ينتج عنه فقط اكتساب المعرفة.

ولعل القارئ الكريم استنبط ما أرمي إليه من خلال هذه النقاط الثلاث، وأننا نحتاج في تعليمنا أن نأخذ بالاعتبار الانتقال من فكرة أن رفع التحصيل الدراسي للطالب يعد الأرضية التي نبني عليها وليست السقف الذي نطمح له.

وهذا الأمر لا يتأتى إلا بمعلم جمع بين ثلاث صفات مهمة وهي: المعلم العالم، المعلم الممارس، المعلم المتعاطف، فالطالب لا يستفيد من المعلم الضعيف في مادته، كذلك وإن كان المعلم قويا في مادته لكنه لا يحسن إيصال المعلومة للطالب، ولو جمع المعلم بين العلم والنجاح في إيصال المعلومة وافتقد للرحمة والعطف فلن يتقبل الطالب منه أي شيء ما دام يشعر بالنفور منه.

فمن المهم اتصاف معلمينا بهذه الصفات الثلاث، لتسير العملية التعليمية بالصورة التي نطمح ونتطلع لها، ولعل أهم صفة يتحلى بها المعلم من هذه الصفات هي صفة المعلم المتعاطف (الرحمة)، وهذا ما جاء به مدلول الآية من تقديم صفة الرحمة على العلم عندما وصف الله الخضر عليه السلام، وضربنا له بمثال في قصة الدكتور مصطفى محمود، وكيف أثر ذلك على بدايته الدراسية، وهذه القصة (أعني قصة الدكتور مصطفى محمود) وإن كانت تتحدث عن جيل وعصر سابق، وإن كان الخوف والرهبة من المعلم التي كان يعاني منها جيلنا قد خفت كثيرا، ولكنها ما زالت موجودة ومتمثلة فيما يسميه علماء النفس اليوم بـ (الهشاشة النفسية) لدى الطلاب والمراهقين، والتي تحتاج ممن يعمل في هذا المجال سواء كان معلما أو مسؤولا الاتصاف بصفة الرحمة، وأن يكون الأب الحاني لأبنائه الطلاب، وهي من أهم ما يميز المعلم الناجح.

أذكر أنني في زيارة لي إشرافية لإحدى المدارس الابتدائية، وبينما كنت أتحدث مع معلم الصف الأول الابتدائي في فناء المدرسة، إذ جاء أحد الطلاب في الصف الأول الابتدائي، ودون أي مقدمات، وأخذ بيد هذا المعلم - وبكل عفوية - وقال له (بلهجة عامية): أبغاك في كلام يا أستاذ، وذهب معه المعلم بعيدا عني قليلا، فلما انتهى من كلامه عاد لي المعلم واعتذر مني، وقال لي الأستاذ كلمة جميلة ما زالت عالقة في ذهني: إن لم نفعل ذلك معهم فلن نستطيع كسب محبتهم.

فالطالب متى ما أحب المعلم فسوف يقبل منه كل شيء، وإذا كره معلمه فلن يقبل منه أي شيء ولو كان هذا المعلم من أميز المعلمين، والطالب بلا شك يستشعر ويدرك المعلم الحريص على مصلحته والمحب له من خلال تعامله اليومي معه، وإن أظهر في بعض الأحيان القسوة والحزم.

فالتربية تتعلق بالإلهام أكثر من تعلقها بالمعلومات، يقول الشاعر الأيرلندي ويليام بتلر: التعليم ليس عملية ملء دلو، بل إذكاء نار.

@yasmh93