روان النغيمشي

صنائع المجتمع والاستعمار الالكتروني

الاحد - 13 أغسطس 2023

Sun - 13 Aug 2023

يواجه العالم اضطرابا دائما، وهو ما يسمى بـ «عقدة المفاهيم» بين الرجل والمرأة، والازدواجية فيما بينهما، وهذه القضية لم يجد لها العالم حلا مناسبا حتى الآن، وذلك لوجود تحديثات مستمرة على مر الأيام والشهور والسنوات بين ما تم تكليفه بـ«سيكولوجية الرجل» وما تم تكليفه بـ «سيكولوجية المرأة»، أو لنقل: دراسة الإنسان سواءا كان رجلا أو امرأة، لذلك تعددت القضايا حول المساواة والعدل من عدة قرون، واختلفت الخطابات الغربية والعربية في هذا الاتجاه اختلافات شتى، فلا الرجل يتنازل عن كبريائه، ولا المرأة في المقابل تتنازل عن قيمتها؛ فالرجل يجد في نفسه جزءا أساسيا في منظومة هذه الحياة، والمرأة تجد نفسها مساهمة في الإنتاج والتكاثر البشري، لذلك فإن هذا الخلاف خلق قضايا عديدة وظلما ورجعية واستعبادا؛ بالرغم من أن سيكولوجيات الإنسان الافتراضية وبلا تحديد هوية تتشابه بالصفات والعواطف والتأملات والأهداف وحقائق الوجود البشري، لكن الرجل بطبيعته لديه رغبات القوامة باعتبارها صفة فطرية وضعها الله عند معشر الرجال، فضلا عن الهيمنة والنظرة الذكورية العليا، إذ إنه يجيد لعبة استفزاز الأنثى وبإتقان، وقد يتم استغلالها بقدراته وصلابته، وهذا السبب يرجع لقوة إيمان الأنثى به، ولو كان هذا الإيمان بدرجات متفاوتة، فلا يمكن أن يجيد أي لعبة معها، ولو وجدنا امرأة بصفات ذكورية، فهذا بالطبع خلل بحد ذاته، والعكس صحيح مع الرجل الذي يحمل صفات أنثوية؛ فالتلبس بالصفات ليس معناه التخلي عن الذات؛ حيث سيظل الذكر ذكرا، وستظل الأنثى كذلك، ولكن الخلل يكمن في التخلي عن واجباتهم تجاه الحياة ومساراتها.

سنجد في الخطاب الغربي أن هناك تحيزا وتميزا ضد المرأة، حيث إنه في بداية القرن السابع عشر، واجهت نساء فرنسا وإيطاليا ظلما وقهرا ونظرة دونية من الرجل استمرت عقودا طويلة؛ فهم لا يعترفون بكيان الأنثى؛ فهي إنسان ناقص في نظرهم، ومتاع مملوك للرجل، وليس لها أهمية سوى دورها في الإنجاب والتكاثر، وقد كان العالم والفيلسوف «أفلاطون» يتحسر لكونه ابن امرأة! وكان «بونافنتيرا» وهو أشهر القسيسين يقول: «إذا رأيتم المرأة فلا تحسبون أنكم شاهدتم موجودا حقيقيا إنما ما ترون هو الشيطان نفسه»!، وبهذا نجد أن الجهل والظلم حاضران في هذه الخطابات والتعامل معها.

وما بعد الحداثة، ظهر «نيتشه» برأيه قائلا: «إذا قصدت النساء فخذ السوط معك»!، فهو يؤمن هنا بأن ضرب النساء من أفضل طرق التعامل معهن لتأديبهن وممارسة التسلط عليهن. وفي السياق ذاته، يظهر لنا صاحب مدرسة التحليل النفسي الحديث «سيغموند فرويد» قائلا: «إن الرجل يمثل كامل الإنسانية، والمرأة يجب أن تعيش حياتها متأسفة بأنها ليست رجلا».

وعليه فالكثير من هذه الأقاويل والخطابات والدراسات والتحليلات ضد النساء ظهرت بطرق رجعية ونظرة تعسفية وإقصائية بلا رحمة، وحينما كان الرجال في فرنسا يتكلمون عن أهمية الحرية في الحياة والإخاء المعيشي، وقفت امرأة معارضة، وطلبت منهم بأن يكون لها رأي في الحرية في مجتمعهم، وأن النساء ذات كيان وأهمية، ولهن أساس جوهري في منظومة الحياة، وحين طالبت بحقها تم إسقاط رأسها بالأجمع بين الرجال والنساء، فهذا مرفوض وتجاوز غير منطقي؛ بما أن الحياة هي ملك فقط للرجال ولا وجود لرأي المرأة فيه.

وعلى هامش ذلك، فقد كانت «نفيسة إسماعيل محمدي» عام 1903م، تملك أسهما في قناة السويس في مصر، وطلبت من مالك الشركة أن تبيع أسهمها، وردت الشركة عليها بأن ليس من حقها أن تطلب ذلك، وعليها أن ترجع لزوجها وتطلب موافقته؛ لأن الشركة تطبق القانون الفرنسي الذي يدعي بأن المرأة ليس لها حقوق البيع والشراء!

وبعد كل هذا الظلم والتعسف ضد المرأة، وإلغاء وجودها، وطمس كيانها، ظهرت حركة «النسوية»، والمطالبة بالحقوق والمساواة، وكانت الكاتبة والمفكرة الفرنسية «سيمون دي بوفوار» قد كتبت كتابا بعنوان «الجنس الآخر»، عام 1949م، منادية بـ «النسوية»، كما كانت ضد الزواج، ورأت أنه يمثل سجنا أبديا لقهر النساء، وسلب حريتهن وأحلامهن، داعية إلى هدم وإلغاء مؤسسة الزواج تماما.

وبعد مرور هذه السنوات لم تتغير خطاباتهم بشكل ملحوظ، بل تطورت أفكارهم لجعل الإنسان افتراضيا، حيث لا يوجد خطاب يؤمن بحق الذكر وحق الأنثى، وإنما أصبحوا ينادون بالمساواة، وأن يكون تعامل البشرية على حد واحد، ومن هذا المبدأ تطورت نظرياتهم حتى ظهرت «نظرية الجندر» التي أساس العلاقات، حيث تخضع العلاقات إلى سياسة «آنت» بلا تحديد هوية، وقد يقاضيك في بعض الدول لو حددت نوع هويته البيولوجية، وهذه النظرية هي أهم من أن يكون العالم صنعا أبويا ولا وجود للمعيار الحقيقي بينهم، وأن شرطهم هو إلغاء ثنائية الرجل والمرأة.

لو رجعنا إلى ثقافتنا العربية، سنجد أن هناك تفاوتا في المسائل القانونية في معرفة الحقوق الثابتة لكل الطرفين؛ حيث كانت الإشكالية في الدولة الحديثة التي تعاني منها النساء العربيات في ذلك الوقت تتمثل في أن الفقه الإسلامي لما أُدخل في الدستور تحول إلى قانون وضعي، جعل قضايا المرأة في غاية الصعوبة؛ لأن القضايا في الإسلام تقوم على اجتهاد الفقيه والقاضي سابقا في بعض الدول، وأن القانون الدستوري للدولة الحديثة هو قانون جامد؛ لا يمكنه النظر إلى القضايا الجزئية كما هو في القضايا الإسلامية.

وفي مطلع القرن العشرين، وبعد هذه الخطابات العنصرية من هذه الدول الغربية التي اتهمت المرأة العربية وصورتها بأنها امرأة خانعة ومسلوبة الإرادة ومغيبة عن واقعها المجتمعي والإنساني في المقام الأول؛ وذلك بعد أن مارسوا كل طرق الاضطهاد على نسائهم، وفي الوقت الحالي يتهمون المرأة العربية بأنها مسلوبة الحق والحقوق، وأن الرجل العربي ظالم لها، وفي المقابل نجد بعض النساء في الوطن العربي بعد أن استعمرهم النظام الالكتروني، تؤمن بأن الرجل الغربي رجل حق وكرامة، وأن نساءهم مكرمات.

وفي عام 1814م، عندما ألغى «محمد علي» نظام الالتزام في مصر، كانت 70% من القضايا للنساء المصريات؛ وذلك؛ لأنهن كن ملتزمات بشكل من أشكال الإقطاع، فتملك النساء الأراضي، وكن ذوات رأس مال؛ لأنهن لا ينفقن، ويستفدن أيضا من نظام الورث، وهذا يدل على أنها كانت تعيش برخاء وكرامة ولها الحق الكامل، حتى في الحكم والسلطة، فمنذ عام 1249م، كانت «شجرة الدر» تحكم مصر، ولم تكن أول امرأه تحكم في العالم الإسلامي، حيث لعبت دورا تاريخيا أثناء الحملة الصلبية السابعة على مصر، لذلك يجب على المرأة العربية أن تعتبر تاريخها مختلفا عن التاريخ الغربي، مهما بدا لها غير ذلك من أفكار ترسل وخطابات تلقى عبر الأثير الالكتروني، فهي في الأخير استعمار فكري، وقضية ليست رابحة؛ بالرغم من أن النساء العربيات لم يخضعن لنظام المتاجرة بالبشر، كما هو الحال في أفريقيا والهند وتركيا.

ومع هذا نجد أننا مازلنا كنساء نعاني من إشكالية القوامة، وتحولها إلى حركة حقوقية تنادي بالنسوية، وبالتأكيد يراها الرجل حركة سامة لا تخدم مصالحه الذاتية ووجوده الواقعي في شتى جوانب حياته، لذا فأي أنثى تطلب حقوقها عبر النسوية فهي تعيق نفسها وقيمتها، وعلى هذا فقد أصبحت هذه الظاهرة في البلاد العربية منتشرة، علما بأن وجود الظاهرة لا يعني قبولها والعمل بها أو الالتزام في احترامها، وبالتأكيد فإن الرجل يواجه أن بعض النساء الإسلاميات ينكرن ولا يتقبلن الأحكام الشرعية ومفهوم القوامة، إذ يصعب عليه تطبيق هذه الأحكام التي يُؤمن بأنها حق من حقوقه، وكيف تطالب النساء بحقوقهن وهو لا يستطيع تطبيق حقه الشرعي، لذلك نحن نعيش اضطرابا شرعيا إسلاميا وثقافيا لا نهاية له.

وفي نهاية الأمر، فقد صرحت الصحفية «كاثرين فورث» أثناء حضورها مؤتمر عقد في بكين عام 1995م، بأن المواثيق التي تخص المرأة تسوغها وكالات نسوية متطرفة وأعداء الإنجاب، والهدف منها هدم مؤسسة الزواج، وما زالت القضية مستمرة حتى الآن من خلال عدم الالتزام في شراكة الحياة، والترابط الإيجابي والفعال بين الرجل والمرأة، وستظل النظرة الدونية عالقة في الأذهان، وأن الرجل يمثل سجنا لحريتها، وسلبا لحقوقها، ولن تنتهي هذه الحرب التي بالأصل يعشق كل من طرفيها الآخر.

@R_nughmshi