فهد عبدالله

مرونة المنظمة

الاحد - 30 يوليو 2023

Sun - 30 Jul 2023

من أكثر الأمور إلهاما التي يمكن بها للإنسان الاستبصار من خلالها للمستقبل في شتى المجالات هو التأمل والتفحص في التاريخ؛ لأنه كثيرا ما يحمل قوالب متكررة ودروسا تعيد نفسها حتى قيام الساعة.

مرحلة النضج (Maturiaty) لدى الإنسان أو المنظمة على ثلاثة مستويات: المستوى الأول وهو المستوى الطبيعي بأن يتعلم الإنسان من تلك الدروس والعبر التي مر بها شخصيا، والمستوى الثاني وهو أكثر سرعة ونموا بأن يتعلم الإنسان من تجاربه وتجارب الآخرين، والمستوى الثالث وهو الأكثر سرعة وتسارعا على الإطلاق بأن يتعلم الإنسان من تجاربه وتجارب الآخرين والتاريخ، ولاريب في أن التاريخ غالبا ما يعيد نفسه.

ولو بحثت قليلا في التاريخ حول تفاعل المنظمات الكبرى تجاه الأحداث غير الاعتيادية ستجد تفاعلها أيضا على ثلاثة مستويات:

المستوى الأول شركات لم يكن لها الدراية في كيفية فهم الأحداث وأثرها على المنظمة وظلت تتخبط في التصرفات حتى ذهبت أدراج الرياح وأصبحت جزءا من التاريخ فقط مثل شركات نوكيا وبلاك بيري في نشاطها المتعلق بالهواتف الخلوية وبنك ليمان برذر في المجال المالي وشركة بلوك باستر في مجال أشرطة الفيديو والألعاب.

المستوى الثاني منظمات أتقنت عمليات التخطيط المسبقة الدفع والتخطيط الآني للعمل على الخروج من تلك الأزمات بأقل التكاليف والنهوض مجددا على مسارات الربحية والاستمرارية مثل شركة فيديكس في عام أزمة النفط 1973 عندما التزمت بتقديم الخدمات للشركات على أكمل وجه مما جعل الثقة هي فرس الرهان للسمعة المؤسسية لفيديكس.

المستوى الثالث هي شركات تعاملت مع هذه الأحداث والأزمات بطريقة إيجابية ومختلفة بأنها بمثابة فرصة لاحت في الأفق ويجب العمل على استثمارها كشركة سامسونج في فترة الركود عام 2008 تخارجت بشكل ذكي من بعض شركاتها غير العاملة في نشاطها الأساسي وأعادت الاستثمار في الأنشطة الرئيسة لديها والذي توج في وضع أول هاتف ذكي من طراز جالاكسي، والذي أطلق في عام 2009، في منافسة مباشرة مع آيفون الذي تنتجه أبل.

السؤال هنا كيف يمكن للمنظمة والشركة أن تستفيد من التاريخ وتحتضن في طاقتها الكامنة شيئا من التفوق في إدارة أزماتها واستمرارية أعمالها أو نهضة جديدة ترفع فيها سقف ربحيتها ونموها أو بما يعرف مرونة المنظمات (Organizational Resilience)، سأذكر هنا عشرة ملامح بمثابة خارطة الطريق لكيفية التفاعل التنظيمي مع التعثرات والوقوف مجددا على القدمين في أسرع وقت مستطاع:

1 - تحديد الأولويات أثناء الأزمات لعله طوق النجاة الذي يمكن المنظمة من تجاوز تلك الأزمة التي ألمت بها. لا يمكن للمنظمة أن تنجو من الانهيار وهي منشغلة بحل مشكلات يقع ترتيبها متأخرا في قائمة الأولويات غير المعرّفة، عدم وضوح أولويات في كيفية التعامل مع الحدث بالتأكيد سيجعل من عمليات الاستجابة مشتتة وغير مركزة والتي قد تجعل طوق النجاة يغوص في أعماق المياه.

2 - الاستعانة بأهل الرأي والخبرة، القرارات الإدارية التي قد يتخذها أصحاب القرار قد تزيد من وهج الأزمة وتلقي بظلالها على المنظمة إذا لم يكن أصحاب التخصصية لهم مساهمة في صناعة القرار، وكثيرة هي الأزمات التي جعلت القيادات العليا تتخذ قرارات متسرعة بسبب حالة الذعر الموجودة وأيضا ضغط السرعة المطلوبة في مواجهة الأزمة. الحل يكمن في التخطيط المسبق للجان الخبرات المساندة أثناء الأزمات.

3 - عمليات التخطيط المستمرة تجاه معرفة المخاطر ومدى خطورتها (severity) واحتمالية وقوعها (Probability) وكيفية التعامل معها من حيث منع حدوثها (Avoidance) أو تخفيف حدتها في حالة وقوعها (Mitigation)، وبالتأكيد يأتي هنا الدور الحيوي لخطط استمرارية الأعمال ومدى فاعليتها تجاه هذه المخاطر سواء من خلال مناسبة الخطط أو عمليات الاختبار الدورية التي تؤكد مناسبتها فضلا عن فهمها لدى العاملين.

4 - الجاهزية المستمرة والاستعداد التام سواء من خلال الكادر البشري أثناء الأزمات أو الأدوات المطلوبة لعمليات إدارة الأزمة، تعثر الجاهزية في هذه المكونات الرئيسة ستكون المنظمة قد تخلفت في شروطها الأساسية تجاه المرونة المطلوبة.

5 - حصر ومعرفة الموارد التي تمتلكها المنظمة لتطويع استخدامها بشكل سلس ومرن أثناء الأزمات، وبعد ذلك يأتي مفهوم كيف يمكن الاستفادة من هذه الموارد بطريقة تعظم من فعاليتها أو بعبارة أخرى كيف يمكن للمنظمة إدارة الأزمة بأقل الموارد أو على الأقل الاعتماد على الموارد الموجودة دون الحاجة لجلب موارد خارجية قدر الاستطاعة.

6 - من طبيعة الأزمات وتأثيرها أن يكون هناك قرارات سريعة في التصدي لها، بمجرد وجود آلية واضحة في المنظمة لكيفية صناعة القرار أثناء الأزمات أعتقد بأنها بمثابة حوكمة منطقية لهذه الظروف الاستثنائية، وهنا تحديدا نستطيع الجزم بأن المنظمة لامست ذروة النضج في مرونة المنظمة.

7 - وجود احتياطات مالية (Contingency Plan) لها ارتباط منهجي ومحوكم في كيفية الاستفادة منه في مواجهة الأزمات بالإضافة لسرعة وسهولة القرارات تجاه تفعيل هذه الاحتياطات المالية.

8 - التخطيط المتقن والمسبق لعمل الاتفاقيات المبرمة مع الجهات الخارجية ذات العلاقة (Mutual Aid Agreement) من خلال مفهوم الجميع يكسب (Win-Win Situation) بحيث يمكن للمنظمات العمل بشكل جماعي لصد الأزمات التي لا يمكن مجابهتها بشكل منفرد.

9 - قد يكون حجر الزاوية في شكل التعاطي الإيجابي مع الأزمات ومستوى المرونة المطلوبة يكمن في القيادة الرشيقة التي لديها مخزون معرفي وتطبيقي في كيفية التعامل مع الأزمات فضلا عن الخصائص النفسية التي تجعل من المنطق هو سيد الموقف بعيدا عن حالات الذعر أو التصرفات الخاطئة لشخصية القائد تحت ضغط الأزمة الهائل.

10 - أخيرا، توفير جميع الدعم المطلوب لجعل المنظمة مرنة ورشيقة تجاه الأحداث التي تداهمها في وقت الرخاء والروتين الطبيعي، الكثير من سلوكيات المنظمات ينشط فقط عندما تحل الأزمة والكارثة بينما المرونة المطلوبة للمنظمة تجاه مجابهة التحديات المستقبلية وحالة النضج المطلوبة يتطلب أن يكون الاستعداد على قدم وساق في وقت الرخاء حتى يكون ذلك الوقوف صلدا إذا وقعت الأزمة وحلت الكارثة.