عبدالله مشرف المالكي

قوة السينما

السبت - 22 يوليو 2023

Sat - 22 Jul 2023

الأفلام السينمائية ليست مجرد وسيلة ترفيه لقتل الوقت، كما يحلو للبعض أن يردد، جهلا بالتغييرات السياسية والاجتماعية والفكرية والوجدانية، التي تنحتها السينما في ذاكرة الشعوب والأمم.

فمنذ أن أدرك علماء النفس، ومن خلفهم الحكومات الغربية، التأثير العميق للصورة المتحركة على العقل البشري، هناك جهود محمومة للاستفادة من هذه الأداة في تحقيق غايات بعضها بريء، وكثير منها مستهدف.

لقد نجحت أفلام السينما مرارا في تغيير بعض القوانين ووجهات نظر الأفراد والشعوب حول موضوعات ذات أبعاد متشابكة، وكان للأعمال الفنية الأكثر جودة أو فهما لطبيعة المتلقي، اليد الأعلى في كسب معارك الرأي العام.

إن استمرار التعامل مع السينما على أنها مجرد قصص خيالية، بخسٌ لطبيعة هذا الفن القادر على إحداث تغييرات حقيقية على جميع مستويات الوعي الفردي والجمعي.

فأفلام السينما وسيط مرئي قادر على نقل العواطف والأفكار ووجهات النظر، خلال الصور والألوان والحركات، مما يجعلها أكثر تعقيدا من الشعر أو المسرح. وهذا ما يجعل جمهور ومتابعي السينما أضعاف الفنون الأخرى على مستوى الكم والكيف.

ففي حين يقتصر جمهور الشعر أو الروايات أو المسرح على شرائح محددة كالمتعلمين أو الراشدين، فإن السينما تستوعب الجميع دون تفرقة.

كما أن تعدد وسائل الإقناع في السينما يجعل منه الفنّ الأول في القدرة على عرض وجهات النظر المتباينة في الوقت نفسه، وتغيير قناعات المتفرج بنعومة نحو قناعة صناع العمل، أو على الأقل زحزحة موقفه المتشدد نحو فكرة ما، ليمكنه رؤية الزوايا الأخرى للقضية، أو رؤية العالم بعيون الآخرين.

في السينما، لا يحتاج الممثل إلى الحديث ليحمل لنا عاطفته أو فكرته أو ما ينوي تغيره فينا، وإنما تقوم بذلك أدوات مثل الموسيقى والإضاءة والمؤثرات البصرية والسمعية، الأمر الذي يخفض من مقاومة المشاهد للرفض أو التحفز، وهكذا يسهل على صناع الفيلم تغيير القناعات أو بلورتها وتضخيمها.

ومنذ أن لفت عالم النفس الأمريكي الألماني هوغو مونستربرجر الأنظار إلى أهمية الصورة السينمائية في تشكيل الوعي البشري، والدول الغربية تتعامل مع هذا الفن على أنه إحدى وسائل السياسة الناعمة والغزو الثقافي.

حتى إن دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية نشرت نمطها في الحياة والمأكل والملبس في جميع قارات العالم عبر هوليود، واستطاعت عن طريق أفلام جيدة الصنع التعبير عن وجه نظر ساستها في قضايا الحرب والاحتلال، وتبرير التنكيل بالمخالفين لسياساتها.

إننا إذا تعاملنا مع السينما على أنها إحدى أدوات القوة، وانتقلنا بها من خانة الترفيه إلى خانة صناعة الوعي، سيمكننا أن نعيد استخدامها في عملية رسم الصورة الذهنية، لتكون مصدرا من مصادر القوى الناعمة في الفترة القادمة.