بندر الزهراني

هل حصاد الجوائز العالمية يحاكي واقع تعليمنا؟

الثلاثاء - 06 يونيو 2023

Tue - 06 Jun 2023

تداخل يوم الأحد الماضي على صفحة «قضية ورأي» في صحيفة مكة مجموعة من الزملاء الأعزاء كتاب الرأي، وأدلوا بآرائهم القيمة والشفافة حول مستويات التعليم وكيفية الارتقاء بها، وسط ما يقابله من تحديات حقيقية، وركزوا حديثهم على ما إذا كان حصاد الجوائز العالمية يحاكي واقع تعليمنا.

ولأنني أتيت متأخرا عن الموعد المحدد لي في المداخلة، على غير عادتي، جئت هنا أبوح بكلماتي المتواضعة، لعل فيها ما ينفع أو على الأقل تخرج مكملة لآراء الزملاء.

أرى أنه قبل مناقشة كيفية الارتقاء بمستوى التعليم، يتوجب علينا تحديد التحديات التي يواجهها، وأن نعترف ابتداء أن التحديات ليست محصورة في ارتقاء التعليم مراكز التصنيفات والمنافسات والمعايير العالمية، أو مقارنة مخرجاته بما يرشح عنها من نتائج قد لا تعكس الواقع إلا في جزئيات معينة، خاصة إذا ما نظرنا إلى النتائج الحالية التي لا تبدو قريبة من المراكز المتقدمة في التصنيفات، أو قورنت كما هي بنتائج دول مماثلة لنا في القوة والمكانة الاقتصادية.

تحقيق أهداف الرؤية في مجال التعليم ينبغي ألا يتحول بشكل أو بآخر إلى مجرد التقدم في معيار عالمي، أو نيل مركز تصنيفي، أو الحصول على جائزة هنا أو هناك، أي نعم، تحقيق مركز متقدم في أي معيار عالمي يعني النجاح والتميز، ولو بشكل نسبي، ولكنه في كل الأحوال ليس الغاية التي معها ننشد محاولات التغيير والتطوير، فربط التحديات بالمعايير والتصنيفات والمنافسات والجوائز الدولية، وجعلها كما لو كانت هي غايتنا الوحيدة، يخلق نوعا من الإرباك في القرارات الإدارية وضبابية في التوقعات الميدانية.

التحديات الجانبية من هذا النوع يفترض أن تكون وسيلة ضمن مجموعة من الوسائل الأخرى، للوصول إلى غاياتنا وطموحاتنا في التعليم، وهذه فلسفة بسيطة وتبنى عليها كثير من الخطط والاستراتيجيات، ولذلك تحديد ما نريد أن نصل إليه، ثم اختيار الطرق والسبل الممكنة والوسائل المتاحة لبلوغ ما نطمح إليه من أهداف وغايات، هو الخطوة الصحيحة والمنطلق السليم نحو أي تطوير حقيقي.

تهيئة العقول الناشئة بما يضمن لها الصمود أمام مستحدثات العصر، والولوج في قضاياه مع الحفاظ على الشخصية والهوية الوطنية، أو إشغالها بالتفكير الخلاق المستمر، لا يتأتى فقط بالنظر إلى تطوير المناهج الدراسية أو تنويع موضوعاتها وحدها، دون الأخذ في الاعتبار القرارات الإدارية المؤثرة في هذه الصناعة الجوهرية. فقرار نظام الفصول الدراسية الثلاثة وما أفرزه من ظاهرة التغيب الجماعي، مثال على جنوح الجانب التنظيري المرتبط بالتصنيفات والمعايير الدولية عن الواقع الملموس والتطبيق المجرب.

كما أن تدريس الفلسفة أو اللغة الصينية أو علوم الفضاء يعد خطوة رائدة ونقلة نوعية، إلا أن نجاحه لا يقتصر على توفير المناهج وحدها دون تطوير للمعلمين أنفسهم، وتحسين لجودة البنى التحتية.

وأجدني متفقا إلى حد كبير مع الدعوات القائلة بالمراجعة المستمرة للقرارات الإدارية والخطط الاستراتيجية، وتطبيقها على مراحل بما يسمح بتقييمها وإخضاعها للاختبار والتجريب الزماني والمكاني، أو على الأقل بما يضمن حيويتها، ونجاح تطبيقها في بيئة تؤثر فيها الكثير من العوامل السيكولوجية والمجتمعية، بجانب الانفتاح العلمي والتطور التكنولوجي. فالقرارات الإدارية المتجردة من البدائل الممكنة تظل دائما قرارات محفوفة بالمخاطر، ومعرضة للنقد، خاصة إذا ما كانت تمس شرائح واسعة ومختلفة من المجتمع.

ورغم هذا كله، لا بد أن نشيد بالحراك الإداري المميز الذي تقوده الوزارة نحو التطوير والتغيير، وتحقيق الأهداف والغايات، فليس من العدل والإنصاف غمط الجهود والمحاولات الجادة التي يحدوها أمل النجاح، وهدفنا جميعا هو الرقي بهذا الوطن العظيم، كل حسب طاقته ومكانته وبما يستطيع.

كما ولا بد أن نشيد بالدور الإعلامي الناجح الذي تقوده أقلام نخبة من كتاب الرأي، وبما تكتبه من نقد هادف موضوعي في هذا المجال وغيره، فالمصلحة العامة ضالة الوطني المخلص، أنى وجدها فالوطن أولى بها.

drbmaz@