ياسر عواد المغامسي

القيادة والتعليم

الاحد - 14 مايو 2023

Sun - 14 May 2023

لعل من أهم المواضيع التي تسترعي اهتمامي، وتشدني إليها، وأحاول أن أقرأ وأبحث فيها كثيرا موضوعين اثنين: قضايا التعليم وفنون القيادة، والجميل في هذين الموضوعين أنه كلما قرأت وأبحرت فيهما اكتسبت مهارات وفنونا يمكنك تطبيقها في مجال عملك، سواء كنت قائدا أو ممارسا للتعليم، وسأحاول أن أجمع في مقالتي هذه هذين الموضوعين وأتحدث عنهما.

مهنة التعليم من أجمل المهن وأشرفها على الإطلاق، فيكفي أنها مهنة الأنبياء والرسل، وهي في الوقت نفسه من أقسى المهن؛ لأن المعلم يعمل داخل منظومة وبيئة من المفترض أن تكون هذه المنظومة متكاملة في جو ومحضن تربوي يساعد على العمل والإبداع، وينشأ عن ذلك المزيد من الاحتياجات المتجددة لإكمال مسيرة التعليم وتحقيق أهدافه، وهذا يتطلب أن تكون المدرسة أفضل مكان للتعليم والتعلم بالنسبة للطلاب، وأفضل مكان للمعلمين والعاملين في ممارسة عملهم، يتشوق إليها الجميع كل صباح للعمل والتعلم، وهنا يأتي دور القيادة المدرسية في المساهمة في ابتكار بيئة تهيئ للجميع النجاح والازدهار والنمو.

وهذا ما جعل الأنظمة التعليمية تهتم كثيرا بموضوع القيادة المدرسية، ففي المدارس السنغافورية تعلم الأنظمة التعليمية أن القيادة الضعيفة هي سبب رئيس لفشل المدارس.

وتعد القيادة الفاعلة إحدى المميزات الرئيسة التي يمكن بواسطتها التمييز بين المنظمات الناجحة وغير الناجحة، لأن القائد يتعامل مع بشر لهم احتياجات واهتمامات مختلفة، ولكل نوع منهم تعامله الخاص الذي يناسبه، يقول مورجنثاو «إنك لا تستطيع أن تخضع الآخرين لسلطتك، أي تجعلهم ينفذون ما تريد أن ينفذوه ويمتنعوا عما تريد أن يمتنعوا عنه إلا عن طريق ثلاثة دوافع: الرغبة في الثواب، أو الخوف من العقاب، أو الحب والاحترام».

وفي كتاب (اطعموا المعلمين قبل أن يأكلوا الطلاب) لنيلا كونرز يتحدث الكاتب عن أنواع الاتجاهات والشخصيات الموجودة في المدارس، فيقسمها إلى أربعة أقسام:

1 - المحبطون: وهؤلاء الناس همهم الرئيس يكمن في الحد من حماس الناس على العمل، ويرددون عادة أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وخلق جو من الإحباط، ومحاربة أي محاولة مبدعة أو أي فكرة مبتكرة تأتي من المتحمسين.

2 - المرجفون: فريق من الناس همهم نشر الإشاعات والأكاذيب، وجعل الناس يتصارعون نتيجة لهذه الإشاعات.3 - النظاميون (الروتينيون): هؤلاء الأفراد لا يتعمدون إلحاق الضرر المباشر بأحد، وعملهم تكرار أيامهم وأسابيعهم وأعوامهم وحياتهم، ويتمسكون بتخطيط الدرس الذي أنجزوه أول سنة بعد تخرجهم، ويجترون هذا الدرس ذاته والتخطيط عينه لأيام وأشهر وسنوات.

4 - المطورون: وهذه الفئة التي تهمنا فعلا، وعلى القائد الناجح الاهتمام بهم لأنهم يشكلون العناصر المهمة للتطوير والتجديد، ولكنهم كذلك الفئة الأكثر تعرضا للاحتراق، ولديهم ولاء لمؤسساتهم واحترام لمهنتهم، والأهم من ذلك حبهم للتلاميذ ودعمهم لإدارتهم، وهؤلاء العاملون على تحسين المناخ وتطويره.

القادة الناجحون يدركون بأنه لا توجد صيغة واحدة أو سياسة معينة أو مجموعة إجراءات واحدة تجدي نفعا مع الجميع، أو تجدي نفعا مع الفرد الواحد على الدوام، فلكل موقف حالته ولكل فرد خصوصيته، وهذا ما يعرف في علم القيادة بالقيادة الموقفية. مع يقيننا وتسليمنا بأن التحديات التي تواجه القيادة المدرسية أكبر بكثير من تلك التي يواجهها القادة في ساحات أخرى، فأنت تتحدث عن تربية وتعليم أجيال، وقيادة أشخاص نريد منهم أن يعلموا أبناءنا ويقودهم إلى النجاح والتميز.

ولعلي أقتبس كلمة جميلة سمعتها من الدكتور خالد الغنيم في لقاء له عُرض في شهر رمضان المبارك، كان يتحدث فيه عن أسلوبه في القيادة وثقافة بناء اتصالية تدعم الموظف في عمله، فيحكي أنه في أول يوم له في ترأسه لشركة الاتصالات السعودية أنه أرسل بريدا الكترونيا لجميع الموظفين برسالة يقول فيها (العميل أولا.. والزميل أولا)، وكان يقول إننا لا نستطيع أن نخدم العميل بموظف غير راض، ويمكننا تطبيق ذلك في التعليم، فنقول (إننا لا نستطيع أن نقدم شيئا لطلابنا ونعلمهم تعليما جيدا بمعلم غير راض).

وفي مجال التربية والتعليم يشبّه التربويون قيادة المعلمين في المدرسة مثل قيادة الأوركسترا، فالقائد يعمل جاهدا لجعل كل عضو في الأوركسترا يعزف على آلته بتوافق وانسجام مع العازفين الآخرين، وهنا يتقرر النجاح بمدى جودة إتقان العازفين عزفهم معا أكثر كثيرا مما لو عمل الفرد الواحد منهم بمفرده.

وأن يستحضر الجميع المقولة الرائعة التي تقول «إذا أردنا النجاح وتحقيق الهدف فسيكون من الرائع أن يغني الجميع نفس اللحن».

yasmh93@